الخليج وثقافة الديمقراطية (6)

 

 

"لا ديمقراطية بلا نساء"

 

د. عبدالحميد إسماعيل الانصاري *

* كاتب قطري

هذا عنوان مقال للدكتور محمد الرميحي، تعليقا على انتخابات "أمة 2008" التي لم تفز فيها أي امرأة، تحدث عن قيمة "العدل" وعن "التمثيل" المفقود للمرأة في الانتخابات، وطالب الدولة الأخذ بـ"الكوتا"، تمكيناً للمرأة الكويتية للإسهام في شؤون بلدها، وتحقيقاً للعدل.

قبله، صرح الأمين العام للمؤتمر الشعبي الحاكم باليمن الدكتور عبدالكريم الإرياني: إذا تركنا النساء للديمقراطية فإنهن مظلومات.

مقالي السابق "المعوق الثقافي الاجتماعي" أمام فوز الخليجية في الانتخابات، لأنه شكل "النظرة المجتمعية المنتقصة" من الكفاءة السياسية للمرأة، انتقل إلينا عبر التعليم الأحادي التلقيني، والخطاب الديني والإعلامي والثقافي، والبرمجة الاجتماعية، وكرسته الأنظمة السياسية، اجتذب تعليقات مثرية عبر وسائل التواصل.

قارئ من الكويت علق متسائلا: وهل معيار "قبلية المجتمع" هو نجاح المرأة أو عدمه في الانتخابات، يعني عام 2009 حين فازت 4 نساء لم نكن قبليين وأصبحنا فجأة مجتمعاً قبليًّا؟! د ابتهال الخطيب علقت: نحن مجتمع قبلي بكل أطيافه، لا بمعنى الانتماء لقبيلة، بل بالعودة للفكر العشائري والانحيازات اللا مدنية. تعليق ثالث قال: حالياً لا وجود للقبيلة بمفهومها الحقيقي، بل الفكر القبلي الذي كرسته الأنظمة ونجحت باستغلاله. الكاتب سامي النصف أيد "الكوتا" حلًّا، لكن بتعيين الكفاءات النسائية المتخصصة وأن يكون بعضهن من الأقليات التي قد لا تصل بالانتخابات.

وعقَّب الكاتب القطري عبدالعزيز الخاطر: "جميل يا دكتور، لكن منصب على المرأة كجنس في مقابل الرجل، وطالما أن انتخاباتنا ليست قائمة على الأفكار، وإنما على من يحملها، فأي تعد على نتائجها يعد تدخلا، والمدخل تكريس دور الفكر في مجتمعاتنا ليصبح حامله قيمة في ذاته: رجلاً كان أم امرأة، حضرياً كان أم بدويا".

إني ممتن للجميع تعليقاتهم، وأجيب:

أولاً: مقالي لم يكن عن "قبلية المجتمع الكويتي" وإنما "الخليجي" عامة و"العربي" بوجه أعم، في سلسلة مقالاتي عن "ثقافة الديمقراطية" وعوائق تجذرها، و"قبلية المجتمع الخليجي" عندي أبرز عوائقها.

ثانياً: كان موضوع المقال "الإرث الثقافي الاجتماعي" الخليجي الذي هو جزء من الإرث الثقافي العربي العام بروافده الثلاثة: الإرث الثقافي لبلاد ما بين النهرين، والإرث الثقافي العبراني، والإرث الثقافي الجاهلي، تجمعها: النظرة الدونية للمرأة، وأعلوية الرجل، وهو أعم من (قبلية المجتمع)

ثالثاً: أقصد بـ"قبلية المجتمع الخليجي": النزعة الذكورية، والسمة الريعية، والفزعة القبلية، والتشكيك بكفاءة المرأة السياسية والقيادية.

رابعاً: لا انتقاص من القبيلة ولا ثقافتها، بل رفع وعي الخليجي بواقع مجتمعه ليكون أقدر على فهمه وتفكيكه.

خامساً: لا أرى إخفاق المرأة في انتخابات "أمة 2020" مرجعه ضعف أدائهن البرلماني، والترويج لضعف أدائها في "أمة 2009" قول مرسل، تدحضه مؤشرات أداء التحليل الإحصائي لاستخدام النواب للأدوات التشريعية والرقابية. احتلت النائبات الأربع: د.معصومة المبارك، د.أسيل العوضي، سلوى الجسار، رولا دشتي، مراكز جيدة في الأداء والإنجاز والحضور. ولا يقل أداء صفاء الهاشم في (أمة 2016) عنهن.

سادساً: مقولة "لم نكن قبليين حين فازت 4 نساء (2009) وأصبحنا اليوم قبليين". استثناء له ظروفه، خارج عن المجرى العام لا ينفي قبلية المجتمع سابقاً وحاضراً، وفوز المرأة العربية في أي انتخابات اختراق اجتماعي تاريخي معجز لا يقاس عليه.

سابعاً: دفاعي عن وجود المرأة البرلماني، ليس تحيُّزاً للمرأة كجنس في مقابل الرجل، بل لأنها "مهضوم الحق" تاريخيًّا واجتماعيًّا، ومهمة المثقف الانتصار لمهضومي الحقوق. ذلك مقتضى العدل، والمبدأ الدستوري "تكافؤ الفرص"، واتساقاً مع حركة التاريخ، والنهج القرآني المعني بحقوق الأقل حظاً.

ثامناً: المطالبة بنظام انتخابي أكثر عدالة وتمثيلاً للمكونات المجتمعية، ليس تدخلا أو إخلالاً بالمبدأ الديمقراطي، بل تصحيحا لمساره، وتحقيقا للعدالة النسبية المفقودة. سبقنا إليها من اخترعوا الديمقراطية عبر "الكوتا" المطبق في 81 دولة.

أخيرا: لست من علماء الاجتماع، لكني مُستلهم لطروحاتهم، بدءاً من "نظرية العصبية" الخلدونية الرائدة، مروراً بفتوحات الوردي والأنصاري، وصولا لإبداعات الرميحي وباقر النجار.