"عُمان 2040" وتمكين القطاع الخاص

يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

في ظلِّ التغيرات والديناميكيات الجديدة للواقع الاقتصادي والاجتماعي وما ولدته من استحقاقات لدور أكثر فاعلية للقطاع الخاص والذي خصصت له رؤية عمان 2040 حيزا واسعا في وثيقتها. وذلك إيماناً بأن الدول القوية تحتاج اقتصادا قويا، وأن الاقتصاد القوي قوامه الشركات القوية، وأن المطلب الأساسي لهذه الشركات لتكون كذلك وجود عنصرين أساسيين.

العنصر الأول يتمثَّل في عوامل إنتاج محفزة وبيئة أعمال مؤاتية، وهنا الحديث عن المفاصل الأربعة التي لا تستقيم أية معادله تنموية إلا بها، وخلل أيٍّ منها يعني خللَ العملية التنموية برمتها. أولاً رأس المال وضرورة توافره بالتكلفة والشروط المناسبة للقطاع الخاص لينهض، وثانياً امتلاك القطاع الخاص القدرة والمعرفة على تعظيم الاستفادة مما تزخر به الأرض العمانية من موارد طبيعية وبنية تحتية، وثالثاً ضرورة توافر الموارد البشرية كمًّا ونوعًا، وضرورة أن تمتلك المهارات المطلوبة لتحقيق النقلة النوعية المستهدفة للقطاع الخاص وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر، والابتكار والمهارة، ورابعاً وجود منظومة الإدارة القائمة على أطر وآليات مناسبة ومنسجمة لتشغيل قاطرات الإنتاج المختلفة؛ بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية وطبيعة ونسيج التنمية العماني.

أمَّا العنصر الثاني، فيتمثل في أدوار جديدة للفاعلين في عملية التنمية، وعلى رأسهم القطاع الخاص نفسه المطالب بإعادة ترتيب أوراقه وبيته الداخلي بما يتناسب مع التحديات والدور المنوط به في الرؤية كقائد للأنشطة الاقتصادية ومشغل رئيسي للعمالة الوطنية ورافد للميزانية والقادر على الاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير والدخول في شراكات مع الاستثمار الأجنبي، كذلك أدوار جديدة للحكومة في تمكين حقيقي بعيدا عن الشعارات، وإعطائه المساحة المناسبة في التمثيل في اللجان العليا والوزارية لتحديد الأجندة والأولويات الاقتصادية، وكذلك رفع الوصاية عن غرفة التجارة والصناعة لتلعب دورها الإستراتيجي المفقود كبيت يرعى مصالح التجار والصناعيين ويرتب صفوف شركات القطاع الخاص للاستثمار في القطاعات المختلفة، ويحفز الاندماجات لتكوين كيانات كبيرة وإيجاد أطر جديدة لعمل شركات القطاع الخاص مع الاستثمار الأجنبي المباشر. وهناك دور لا يقل أهمية لأفراد المجتمع يتمثل في استيعاب التغيرات المطلوبة ورفع الإنتاجية والإقبال على العمل في القطاع الخاص وريادة الأعمال، وتفضيل المنتج المحلي ومساندة التحولات المنشودة في الرؤية لدور القطاع الخاص، بعيدا عن المدرسة الكلاسيكية التي عملت بها المؤسسات الحكومية المعنية بالتعامل مع القطاع الخاص.

الجميعُ يستشعر الدورَ المهمَّ، والمساهمة الفاعلة المرجوة للقطاع الخاص في المرحلة المقبلة للمضي بهذا البلد الجميل الذي يتسم بصغر حجم سكانه المتعلم وجاهزية بنيته الأساسية ومساحته الشاسعة وتاريخه الأصيل وتوافر الموارد الطبيعية والعلاقات الدولية التي تُمكِّنه من فتح أسواق واستجلاب رؤوس أموال وتكنولوجيا وما تحتاجه من عناصر مفقودة. ولا يخفى أن قيام القطاع الخاص بهذا الدور أمر تكتنفه العديد من الصعوبات ويتطلب تمكينا وفهما عميقا من مُتخذي القرار لنسيج ومقومات وتركيبة القطاع الخاص العماني، والذي يَئِن تحت وطأة العديد من الاختلالات في هيكلته واعتماده المفرط على الاستيراد والمناقصات الحكومية والعمالة الوافدة متدنية المهارة.

ومن وجهة نظري، هناك اشتراطات معينة لننجَح في تمكين شركات القطاع الخاص؛ فهناك حاجة لحملة تواصل وتوعية للشركات المحلية حول التحديات في مختلف الجوانب، وضرورة تحقيق تحولات نوعية في أعمالها، وإلا ستتعرض إلى ضغوط كبيرة وخروجها من السوق.

ومن جانب آخر، يَجِب على القطاع الخاص أنَّ يساعد نفسه، وأن يستغل زخم التوجه العام بتمكين القطاع الخاص لإدارة دفة الاقتصاد؛ بحيث يقدم للحكومة قائمة باحتياجاته للانطلاق؛ سواء على صعيد السياسات والإجراءات، من خلال تحديد القيود والحواجز والاختناقات التي تواجه المستثمر عند تسجيل مشروعه، وصولا للحصول على الموافقات المطلوبة، وتوسيع نطاق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التجارية. أو على صعيد المبادرات وخطط التمويل؛ ولا نَعنِي هنا التمويل الحكومي، إنما إتاحة الفرصة للقطاع الخاص في الحصول على التمويل اللازم من القطاع المصرفي، وبكلفة معقولة، إضافة لتحديات ارتفاع تكلفة عوامل الإنتاج المذكورة. إنَّ بناء الأمم يستوجب خطابًا تنمويًّا جديدًا يصل إلى المتعاملين مع شركات القطاع الخاص المحلية والأجنبية لتعزيز الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، وتحسين التصنيف والجدارة الائتمانية. الأمر الذي قد لا يتماشى مع الممارسات التي تتبناها المدرسة القديمه من قبيل "سكن تسلم"، و"الأمور طيبة"، وإننا يجب أن نعمل بصمت وندع النتائج تتحدث عن نفسها.

ومن المتطلبات الضرورية لإنجاح مساعي تعزيز دور القطاع الخاص: تغيير النظرة غير المؤاتية لبعض مؤسساتنا القوية لبعض قاطرات النمو؛ على سبيل المثال وليس الحصر: نظرة البنوك التجارية للشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة. ونظرة جهاز الاستثمار العماني لشركات الاستثمار المحلية وشركات القطاع الخاص على أنها غير جديرة بالمشاركة، ولا تمتلك المعارف الفنية. ويناط بهذا الجهاز دور تنموي إستراتيجي لتعزيز الاندماج والتعاون الدولي من خلال تعظيم الاستفادة من العولمة والتكتلات الإقليمية بما يفضي إلى خلق وتعزيز الشراكات الإستراتيجية وجذب الاستثمار الأجنبي ونقل وتوطين المعرفة والتكنولوجيا؛ بغرض زيادة الإنتاج والتصنيع والتصدير وتعميق التشابكات بين القطاعات الاقتصادية المحلية. وفي نفس السياق، دور غرفة تجارة وصناعة عمان في انتشال شركات القطاع الخاص من الإفلاس، وبناء شركات وطنية قوية قادرة على الصمود والانتقال إلى العالمية ويستوجب الأمر البحث عن تقديم حوافز وتسهيلات مالية سخية إلى شركات القطاع الخاص التي تعاني من أزمه مالية جراء جائحة كورونا، وتداعيات ذلك على توقف الأنشطة الاقتصادية وسلاسل الإمداد العالمية. إضافة إلى معالجة الضعف البنيوي في دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الارتقاء بالتنافسية، يجب أن نؤمن بان قوتنا من قوة شركاتنا في القطاع الخاص وصمودنا مرتبط بصمودها. وفي جانب السياسات، هناك حاجة ملحة لتكثيف استخدام السياسات العامة والمبادرات المرتبطة بدعم التصدير ونشر ثقافته وتقديم حوافز مادية للمصدرين، وكذلك الأمر فيما يتعلق بحماية الشركات المحلية، ورفع قدراتها على التصدير والانطلاق للعالمية، وكذلك حماية المنتج المحلى، وجعل الاستيراد أكثر صعوبة من خلال المواصفات والمقاييس والتراخيص... وغيرها.

وأيًّا ما كان الأمر، فعلى جميع المعنيين العمل وفق برنامج وإطار واضح لبناء صناعات محلية بناءً على المشتريات الحكومية والشركات التابعة لها، والذي يمثل ثاني أكبر بند في الانفاق الجاري بعد بند الرواتب. كذلك الحال فيما يتعلق بالواردات من السلع والخدمات. لذلك؛ فالأمر يحتاج إلى جسارة والتزام بضرورة الاهتمام بالمنتج المحلي ومنحه الأفضلية، وإن لزم الأمر يُسن قانون بذلك. وهناك أهمية لحماية المنتجات المحلية والحد من استيراد المنتجات المشابهة لها من الخارج بفرض ضرائب إضافية، وفرض اشتراطات إضافية، وطلب مقاييس ومواصفات صعبة.

ويتفق الكثيرون على أنَّ أيَّ رؤية لأي قطاع بدون إستراتيجية واضحة المعالم، وبدون خطة تنفيذية، وبدون مبادرات، وبدون خارطة استثمارية، من الصعب تحقيقها. وهذا الأمر ينطبق على رؤيتنا لدور القطاع الخاص ورؤيتنا عمان 2040 بشكل عام. وختاماً، فإنَّ رياح التغيير لا محال قادمة، وأشرعتنا لا محال جاهزة، ورهاناتنا على الحس الوطني للقطاع الخاص وشركاته ورجالاته لا محال كبيرة. وسفينتنا العمانية لا محال ستمخر عباب التغيير بكل ثقة واقتدار.