توزيع الائتمان المصرفي بين القطاعات

مسلم مسن

massan2050@gmail.com

يطالعنا أحدث تقرير للبنك المركزي العماني للعام المالي 2019، والصادر مؤخرا، بنصيب مختلف القطاعات من إجمالي ائتمان القطاع المصرفي، وفق الموقف في ديسمبر 2019.

ورُبما قد لا يختلف المشهد كثيرا بالنسبة للمتابعين لهذه الجزئية من التقرير؛ كون القروض الشخصية دائما ما تستحوذ على حوالي 40% (تحديدا 39.7% للعام 2019)، وهو النصيب الأوفر مقارنة ببقية القطاعات. ويأتي قطاع الإنشاءات في المرتبة الثانية وبنسبة 10.9%، يليه قطاع الخدمات بواقع 8.5%، ومن ثم التصنيع (الصناعات التحويلية) بواقع 8.4%، وتأتي بقية القطاعات تباعا. الائتمان المقصود به هنا التمويل المقدم من القطاع المصرفي المتمثل في البنوك التجارية (التقليدية)، والبنوك والنوافذ الإسلامية؛ فقد بلغ إجمالي ذلك التمويل (الائتمان) حوالي 25.8 مليار ريال عماني في العام 2019. وعندما نقارن ذلك الإجمالي بالأعوام التي سبقته، نجد أنه في تطوُّر مستمر ومضطرد؛ فقد بلغ في العام 2018 حوالي 25 مليار ريال عماني وبواقع 23.5 مليار ريال عماني في 2017 و22.1 مليار ريال عماني في 2016. وهذا يعد مؤشرا جيدا يؤيد تماسك القطاع المصرفي بالسلطنة رغم كل الظروف الاقتصادية، كما أنَّ الإحصاءات قد ضمَّنت التمويل الإسلامي -وفق ما أشار التقرير- في الرقم الكلي للائتمان؛ كونه يقدم خدمات تمويلية لمختلف القطاعات، ويعد أحد الخيارات المتاحة منذ الترخيص له فعليا (2012).

ومن ناحية واقع توزيعات الائتمان وفق النتائج الفعلية في نهاية ديسمبر 2019 لهذا التقرير، فإنَّ هناك ما قد يقال في هذا الجانب، نلخصه فيما يلي:

- ما زالت القروض الشخصية تُهيمن على النصيب الأوفر من توزيع الائتمان، وهذا يؤشر إلى تمسك المستفيد والبنك التجاري بالمنفعة المتبادلة في ظل رواتب حكومية أو شبه حكومية مضمونة الدخل وعالية الثقة؛ وبالتالي زيادة معدلات الإقراض لمقابلة التزامات الأفراد ودخل مضمون للبنك لا يحتاج أية ضمانات. وقد كان العديد من المحللين يرجحون بأن يذهب جزءٌ من هذه القروض لأغراض تنموية وإسكانية، ولكن هذه الفرضية قد تخفت في ظل ركود وانكماش الأعمال والمشروعات التجارية والإسكانية وثبات أو تناقص مستويات مدخولات الأفراد في ظل أزمة نفطية ممتدة (2015-2019)، وما نتوقعه بأنها لمقابلة التزامات متنوعة.

- الواضح أنَّ التمويل الموجه لبعض القطاعات الإستراتيجية مثل: قطاع الزراعة والنشاطات المنضوية به، يكاد يكون هامشيًّا بواقع 50.2 مليون ريال عماني في العام 2019، وإذا ما نسبناه إلى الإجمالي فإنه لا يزيد على 0.2%. وعندما نرجع للسنوات الماضية سنجد أن هذا التمويل كان أيضا هامشيا، وإن كان يزيد بقليل على أرقام 2019، فقد بلغ حوالي 55.3 مليون ريال عماني في 2018، و63.6 مليون ريال عماني في 2017، و58.4 عام 2016. ومع هذا النصيب الذي لا يكاد يُذكر من التمويل، فإننا لا نتوقع مقابلة برامج تطوير هذا القطاع أو تحقيق المأمول منه؛ وبالتالي فإن التعويل على مضاعفة هذا التمويل أمرٌ في غاية الأهمية، خصوصا وأنَّ مثل هذه القطاعات تعتبر صمام أمان للاقتصاد ومصدر تنويع، ولبلد مثل السلطنة يزخر بمقومات تساعد هذا القطاع النمو سريعا.

- التمويل الممنوح للحكومة بلغ 136.9 مليون ريال عماني في العام 2019، مقارنة مع 39.5 مليون ريال عماني في العام 2018، وهذه تمثل قفزة كبيرة، وقد يفسر بأنه نوع من المزاحمة في وقت يكون القطاع الخاص أحوج ما يكون إلى مزيد من التمويل. وعند تتبع المسار لآخر خمس سنوات، نلاحظ أن 2016 قد شهد تمويلا بلغ حوالي 107.3 مليون ريال عماني.

- رغم ما يُعانيه قطاع الإنشاءات من تحديات، فإنه لا يزال يحتفظ بالمرتبة الثانية في الحصول على التمويل بواقع 10.9% من الإجمالي، متفوقا على قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات. ورغم ذلك، هذا القطاع (الإنشاءات) لم يبلغ مستوى التمويل الذي كان يحصل عليه في العام 2016. وهنا تبرز بعض التساؤلات: هل التمويل الذي يحصل عليه هذا القطاع يذهب لتحديثه للتغلب على تحديات الأتمته وترشيق الكلف ومواجهة ضعف التمويل الحكومي لمشروعات الإنشاءات واستخدام التقنيات المتقدمة، كذلك ألا يجب أن تأخذ قطاعات مثل الخدمات والتصنيع نصيبا أكبر من التمويل تماشيا مع متطلبات رؤية "عُمان 2040" والخطة الخمسية التنموية العاشرة والموجهات العالمية المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة.

- يبدو من الأرقام أنَّ أدوات التمويل الإسلامي لم تأخذ دورها كما يجب من خلال توزيعات التمويل، وهذا قد يرجع إلى التركيز على صيغ المرابحة أكثر من صيغ الاستثمار والإيجارة وصكوك التنمية الموجهة للقطاعات الإنتاجية والمشروعات الإستراتيجية.. والأمل بأن يكون لتلك الصيغ دور فارق في المرحلة المقبلة.

موقف الائتمان للقطاع المصرفي الموزَّع على مختلف القطاعات يُعطي صورة واضحة للسياسات التمويلية والتحديات التي تواجه الجهات الممولة والقطاعات المستفيدة معا، ولابد من الوقوف عليها بغرض استعادة زخم النمو والمساهمة في التعافي الاقتصادي من هذه النافذة المهمة؛ لأن القيمة التي وصل إليها إجمالي الائتمان المصرفي معتبرة جدا، وأخذه في التطور رغم كل الظروف.

تعليق عبر الفيس بوك