تمكين

فاطمة الحارثية

1- تمكين الامتياز

نؤكد في مختلف المحافل أنَّ المال ليس هدفًا رئيسًا في الاستثمارات، وفي المقابل نُطالب بالعوائد المالية الناتجة عن هذه الاستثمارات، والمنفعة العملية أي العائد المالي النقدي ورأس المال البشري المستفيد، في تناقض غير بيّن؛ لا يمكن لأي بنية تجارية أو اقتصادية أن تندرج تحت خانة الاستثمار، ما لم تحقق دراسة الجدوى فوائد بأرقام مقبولة ومدروسة، كعوائد في خانة فوائد المشروع، إذن: هل لنا بتفسير لمن يتحدثون عن استثمارات تستهدف البناء وليس المال؟ كيف لنا أن نُهدر أموالا بدون عوائد مالية حقيقية مقدرة وواضحة الكم والمصدر؟ أضف إلى ذلك جدولة إعادة استثمار هذه العوائد ومصب صرفها؛ لنتصور معا كيف تمكنت الدول المتطورة من اختزال الوقت في مسائل البنية التحتية، والنهوض بكيانها الاجتماعي والاقتصادي، علما بأننا ملكنا ذات الزمن والوقت، وربما الإمكانيات أيضا، إنهم يمضون قدما ونحن مازلنا ندور في ذات الحلقة، وما زال الفارق كبيرا ولا جسر بين البنية التحتية وتمكين الامتياز.

 

2- تمكين الانفتاح

إنَّ الإقبال نحو الجديد ليس بخطأ ولا يُعد مغامرة، بل هي روح الإنسان المتجددة، فالخطأ ليس في المحاولة، بل في الخوف منها والإصرار على فرض وهيمنة مخاوف البعض من المستقبل والتغيير على حساب التقدم واختبار الجديد، ربما التجديد والاختلاف غير مقبول لدى المعتاد على روتين ما والطرق التقليدية التي تم اختبارها وأثبتت نجاحها سابقا، ما الضَّير في خوض تجارب جديدة مختلفة قد تنجح لنحتفل بها معا، وقد تفشل لنتعلم منها ونأتي بجديد آخر وليس العودة إلى القديم المعتمد؟ ولا أستطيع أن أجزم بأن تمكين الانفتاح يكمن في دماء جديدة وفي الشباب فقط، لأن المخاوف لا تعلم عمر من تلاعب به، لكن الأكيد الانفتاح يحتاج إلى روح متألقة وعقل متجدد وآفاق واسعة، والقدرة على القراءة والعزم.

 

3- تمكين الهيمنة

هناك عدة سُبل لتمكين الهيمنة الاجتماعية والاقتصادية كوجود معرفي لمجتمع ما، فإما أن تأتي من الخارج إلى الداخل أو من الداخل إلى الخارج، وسرعة المعرفة أي الهيمنة الإدراكية تعتمد اعتمادا كليا على براعة التواصل، وطرق تقديم الكيانات المختلفة، خاصة إذا ما أجادت سُبل التواصل ومعرفة الاهتمامات الكامنة لدى الأغلبية العظمى للبيئات المستهدفة. وبالإجماع يكمن التشابه في العوامل العاطفية والاجتماعية أكثر منها الفكرية؛ فالجانب الإنساني مثلا يجد إقبالا وتفاعلا كبيرا لدى جميع المجتمعات والفئات حول العالم. فإذا ما تبلور الخطاب حول المحاور المشتركة ومنافع إنسانية فإنَّ تمكين الهيمنة يكون أسرع ورقعة الانتشار أكبر، والفائدة تصبح عامة.

 

4- تمكين الابتكار

لن نأتي بالتعريف التقليدي للابتكار هنا، فنحن نتحدث عن التمكين، أي إبراز الأمور الاستثنائية وإمدادها بالدافع والدعم من أجل أن تصنع وجودًا جديدًا مميزا بطابع خاص لا يُمكن تقليده لأنه أصيل؛ ولصناعة الابتكار نحتاج إلى قبول المختلف من حولنا والإصغاء إليه جيدا، ثم دمجه في تكامل واتساق لنحصل على نتائج فوق المتوقع، أي لتمكين الابتكار وجب الانفتاح على الغريب غير المألوف، وأيضا عدم تحديد النتائج أو الحُكم المسبق على النتائج الأولية، فكل جديد لابد له من وقت ليتم قبوله وفهمه، ومن الظلم بمكان وضع تصوُّر مسبق أو توقعات سريعة لأي عمل ابتكاري أو مقارنته بنتائج الاعمال التقليدية المعتادة.

 

5- التمكين المؤسسي

المنظومة المؤسسية لا تتشكل بين حزبيّ الإدارة والموظفين، بل تكمن في تكامل ووحدة الأداء؛ فمن يؤدي دور الإدارة هو موظف أيضا يؤدي عملا بأجر، مثله مثل أي موظف آخر في المؤسسة، والمؤسسات الحديثة تُدرك أن كوادرها هم أساس يُشكل وجودهم، وبقاءهم، وقيمتهم على الخارطة التجارية والعملية، وهذا يُبرهن التطور الطردي في الأعمال، فإذا ما ازدهرت الأعمال بفعل وأداء الموظفين ارتفعت درجة رخاء الموظفين في المؤسسات العادلة والمتطورة، ويتحول الموظف إلى شريك وليس أداة عمل أو جهاز إنتاج، والعكس صحيح؛ وهنا وجب إدراك أهمية التمكين المؤسسي، ومنافع المرونة في الأنظمة والسياسات المؤسسية لاستيعاب عدم استقرار الأسواق والتباين في حاجات المُستهلك، من أجل البقاء، سواء في زمن الرخاء والشدة.

-------------------------

جسر:

"إنَّ الوقت يمضي بنا سريعًا، والانتباه لذلك يُعطينا مجالًا لتطبيق أساليب جديدة لتحدي الزمن؛ مثل أساليب الإزاحة، والاختزال، والمرونة، والتوازن، والإقدام، والتجديد...وغيرها".