جذور الماضي وحقائق الحاضر

 

مدرين المكتومية

الماضي هو التاريخ والجذور والأصول والأسس الراسخة في أعماق الجنس البشري، هو التقاليد التي تربينا عليها والعادات التي التزمنا بها ونسعى لنقلها إلى أبنائنا وكل الأجيال القادمة، لتكون لهم بمثابة الوتد الراسخ في كينونتهم وشخصياتهم.. والماضي جزء لا يتجزء من حاضر الأمم والمجتمعات ومستقبلها كذلك، فلولا الماضي ما كان الحاضر، وما يكون المستقبل!

وحياتنا اليوم مليئة بالتحديات والآمال على حد سواء، وكلها قائمة على مُعطيات ومُؤشرات من التجارب التي خلفت لدينا الكثير من القناعات تجاه مواقف بعينها، ومن ثم فإننا نعيش اللحظات المُقدرة لنا وفق ما قدرت لنا، وما ستقدره لنا لاحقا، لكن في الوقت نفسه، علينا أن ندرك أن الساعة التي تمضي من العمر هي ساعة ضائعة لن تعود أبداً، وعندها لا يجب أن نبكي على اللبن المسكوب، أو ننكأ جراح الماضي، بل أن نستفيد مما أصقلتنا به التجربة وما ترسخ في وجداننا من حكم وعِبَر.

ولذلك يجب أن نعلم أيضا أن كل ما رحل لن يعود، وكل ما ذهب لن يأتي، وعلينا أن نستفيد من الماضي لا أن نتعلق بأهدابه الواهية، وكأنَّ الحياة توقفت وعقارب الساعة أصابها الشلل والضمور! فالحياة لن تنتظرنا بل ستمضي، وسنكتشف أننا نحن عندما توقفنا دون حراك، ضللنا الطريق؛ لأننا لم نلحق بالركب. والوقوف في منتصف الطريق أصعب بكثير من استكماله دون الوصول للمبتغى، والوقوف يعني أننا لا نملك شجاعة الاستمرار أبداً، وأننا نخشى المواجهة والتحدي، فالخوف هو الشيء الوحيد في الحياة الذي يمكنه أن يقف عائقاً أمام نجاحاتنا وأمام تحقيق طموحاتنا المستقبلية، فلنقل لا كبيرة للخوف وأن نهزمه بإرادتنا الواعية هزيمة نكراء.

إننا كمجتمع لم نُربَّ على ثقافة اللوم، بل نحن نعيش الحياة دائماً بقادمها الأفضل ليس بما رحل منها ولكن بما سنلتقيه أمامنا ونحن في طريق الحياة الطويل المليء بالمحطات التي نقف عند بعضها، ونُغادر بعضها الآخر محملين بالكثير من الدروس المستفادة التي تعيننا على إكمال مسيرتنا التي نتطلع لتحقيقها، إنَّ الحياة بكل عثراتها ماهي إلا مجموعة من الدروس والرسائل التي لا تتوقف ولن تتوقف، فهي الرسائل التي من خلالها نُعيد تشكيل حيواتنا، والتي يجب أن تكون دائماً محملة بالإيجابية والأمل بأنَّ هناك دائماً ما يلوح بالأفق وأن هناك دائماً ما يُمكنه أن يغير مساراتنا ويصنع لنا الحياة التي نُريد ونتمنى.

إنَّ ما رحل رحل، وما سيأتي آتٍ، وكل ذلك عليه ألا يُؤثر أبداً في طريقة نظرتنا نحو الحياة، علينا أن نستشعر كل شيء وكأنَّه يحدث لنا للمرة الأولى، خسرنا وظيفة سنُعوض بغيرها، فشلنا في مُحاولة سننجح في أخرى، رفضنا من نُحبهم، سنلتقي بمن يحبنا يوماً، هكذا الحياة، لا تُعطينا إلا لتأخذ، ولا تأخذ منِّا إلا لتعطينا، ولكن علينا أن نؤمن بأن كل شيء يأتي ويرحل هو لسبب أو لآخر ولكن في نهاية المطاف لن نقف دائماً عند نفس النقطة، وهو ما علينا أن نُدركه، الحياة رائعة وجميلة وفيها الكثير، ونحن أيضاً نستحق دائماً الأفضل والأجمل والأروع ولكن كل ذلك يأتي بالسعي إليه، والنظر للحياة بجانبها المُشرق والمشع.

إننا في نهاية المدى، لن نعيش سوى مرة واحدة، فنحن لم نحيا في عصور الأساطير والمعجزات الخارقة، ولم نكن يوما جزءا من حكايات "ألف ليلة وليلة"، بل إننا أبناء هذا الزمن، وذلك الواقع الذي إن فقدنا بوصلتنا فيه أصابنا التيه والضلال.. وعلينا ألا ننظر لتلك الدقيقة التي مرَّت أو اللحظة التي انقضتْ، بل أن نعمل وفق المثل الإنجليزي القائل "five by five" أو (خمسة بخسمة)، فالشيء الذي لا يُؤثر على حياتك لخمس سنوات مُقبلة، لا يستحق منك أكثر من خمس دقائق من التفكير، وغير ذلك فهو مضيعة للوقت، فهل ستضيعون الوقت؟!