وظيفة على جسور الكذب

طفول سالم

تعزف الرياح على أوتار الصباح ترانيم كلمات قديمة، ‏كانت تسمعها كلما هربت من تلك الذكريات المُؤلمة، وهي تعلم يقيناً أنها لن تشفى منها.

ومع فرحة تخرجها بتقدير جيد جدًا، لم يبق إلا حصولها على وظيفة لتكتمل فرحتها ولتثبت كفاءتها في مجالها تقديراً لصبر أهلها طوال تلك السنوات.

هامت مع أوراقها بين المكاتب والإيميلات لوضع سيرة ذاتية تليق بها. ‏في مركب الحياة تملئ حياتها بالأضواء الملونة، تسبح في نهر جارٍ محاولة الحصول على فرصة حتى تستطيع أن تعيش في راحة وترف وترد ذلك الدين الذي يتملكها تجاه والديها.

مضى الزمن وما زالت تراوح مكانها على ذات الحال، دبّ الحزن واليأس لقلبها، تنتظر وتنتظر اللا شيء. ماذا تفعل وذلك الشعور المتعب لروحها لا يستطيع الخروج من دائرة تعبه تلك؟!

تعيش أياماً عصيبة فوق طاقتها على التحمل بدنيا ونفسيا. أدمنت برامج التواصل الاجتماعي، في يوم صادفها إعلان عن وظائف في شركة خارج مجال تخصصها الدراسي لكنها شعرت برغبة قوية تدفعها إلى أن تُقدم ضمن المترشحين فقد تكون الفرصة لنيل شرف وظيفة فيها.

أرسلت رسالة خاصة وسيرتها الذاتية دون التأكد من ثبوت الطرف الآخر وما هو عليه. ثمة شيء جديد ستجربه لعل الحظ يقف إلى جانبها، بآمال جديدة وفعل مختلف قد تجد كنزها المدفون بشجاعتها وجرأتها هذه المرة.

انتظرت يوماً ومرت أيام ونسيت الأمر برمته: لعل أحدهم توظف واكتفوا به، هذا ما وسوست به نفسها ليدب اليأس مرة أخرى لقلبها.

‏ذات يوم وفي أشد الأوقات وجعاً، وقلبها يترنح ألماً من ضيق ما هي فيه تصلها رسالة فتتلقاها بفرح عارم وهي تنظر إلى الموافقة على مُقابلتها في تلك الشركة في موعد وقع تحديده لها ولتكن حاضرة بكل ما تملك من شهادات قد تُؤهلها لنيل الوظيفة المُنتظرة.

حضرت متألقة بكامل أناقتها جهزت نفسها لإلقاء نبذة عن سيرتها الذاتية. كانت الشركة خالية تماماً من الموظفين لم يخطر ببالها لحظة سبب استدعائها في يوم الإجازة. ولشدة فرحتها التي طغت على تفكيرها أخذت تُعلل بأنه ربما هو عمل إضافي لمُقابلة الباحثين عن الشغل لشدة الضغوط الملحة عليهم قصد توظيفهم. ‏ولأنَّ قلبها سارق بارع للآمال وقتها لم تلتفت لهواجسه ولم تهتم سوى بالمُقابلة.

خلف مكتب يُجيد تزيين الآمال الكاذبة للعيون التائهة؛ أشار إليها بالجلوس. وبدأ عزف كلام مُنمق يسيل كالزبدة بين ضروس ذئب، أوهمها بأسئلة يتوق قلبها لإجابة عنها، ولأنها نفسياً أعدت نفسها جيدا، بكل ثقة أجابت عنها بآمال معقودة. ها هنا وقف وصافحت كفاهُ لذة براءتها ولخبرته في ‏تهدئة النفوس بكلماته الرنانة في مسمع الضحية؛ بعد ما نفث الطمأنينة في قلبها؛ قام وأغلق الباب ليُطلق رصاصات الغدر فأصابتها على حين غفلة.

رمت الأوراق على وجهه وأطلقت ساقيها للريح بين الممرات هاربة. لقد صارت وليدة ذلك الحدث، من وقتها وهي تغني بصمت؛ تخفض صوتها جداً، حتى لا يسمعه أحد!!

تعليق عبر الفيس بوك