المقاطع الفيلمية بين الفائدة والتضليل

محمد بن خميس اليحمدي

يتفاوت الأفراد في الوقت الذي يقضونه في تصفح الإنترنت وتفعيل بعض من تطبيقاتها المُتاحة؛ وتبعا لذلك التفاوت تتباين دواعي ومقاصد استخداماتهم وتوظيفهم لها، ولعل أبرز تلك المقاصد هو رغبة مرتادي منصات التواصل الاجتماعي مشاركة الآخرين حول مايتم نشره من مشاركات وأفكار متنوعة، وَمما ساعد على ذلك الميزة التي منحتها تطبيقات الإنترنت لمستخدميها من خلال إعطائهم مساحة مناسبة للتفاعل تحت ما يسمى (التعليقات) لاسيما عندما يكون ذلك التفاعل متاحاً ومرئياً للجميع.

ولعل أبرز المشاركات التي استحوذت على أكبر مجال للتفاعل بين أوساط مشاهدي المقاطع الفيلمية؛ تلك المواد التي جسدت واقعنا المَعِيش في كثير من أحواله وظروفه، كما وأنها استطاعت تعزيز ذلك الواقع ونقده في مناسبات أخرى، إضافة إلى قدرتها على اختزال آلاف الكلمات وعديد العبارات في مشهد لا يتجاوز الدقيقة أو الدقيقتين. لقد فاقت الأقلام بلاغة في تصوير الكثير من الأحداث والمشاهد. حقاً إنها وسيلة فائقة الإقناع والتأثير؛ ذلك نظراً لبساطتها في إبراز الفكرة وعفويتها في طرح القضايا والمواضيع. ومما أعطى تلك المقاطع الفيلمية ميزة أخرى هي أنها مثلت مجالا خصباً للإبداع والعطاء المختلف خاصة وأن تنفيذها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوظيف البرامج المساندة والتقانة الحديثة المتجددة ولذلك كان لها الأثر الكبير في تفجير طاقات الشباب وإبداعاتهم، وإبراز مايمتلكونه من قدرات ومهارات مكنتهم من السطوع في واقع لا يعترف إلا بالتميز.

ورغم بساطة المقاطع الفيلمية القصيرة إلا أنَّها تمثل مرآة حقيقية تعكس من خلالها ثقافة الكثير من الأفراد والمجتمعات؛ بل و في أحيان كثيرة استطاعت أن تعكس ثقافة ومعرفة صانعيها وكيف ينظرون إلى الأشياء من حولهم. هذا ما أثبتته إحدى المشاهدات التي رسمت صورة هزلية ساخرة لولي الأمر والمعلم وهما في حالة من التبعثر والشتات الذي اجتاحهما في محاولتهما الجادة للتعاطي والتأقلم مع نظام التعليم عن بُعد؛ حيث يحمل المشاهدون المادة الفيلمية على أنها مثار جديد للنكتة والترويح عن النفس فيتناقلونها بينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وبطريقة ما ومن خلال نفس العمل يتم خلق قضية أخرى تكون أشد أثرًا، وأصعب احتواءً من القضية الأصلية؛ ذلك لارتباط القضية المنبثقة باتجاهات الأفراد وانطباعاتهم وقيمهم التي ستحدد سلوكهم فيما بعد؛ حيث إن الصورة التي رسمها منفذو المادة الفيلمية عن الآباء والمعلمين ستترجم في قادم الوقت إلى سلوكيات وردود أفعال قد تصدر عن الأبناء والطلاب في تعاملاتهم مع تلك القدوات ضمن مواقف الحياة المُختلفة. وليس من الغرابة في شيء إذا ما تمَّ تعميم انطباعاتهم على جميع من هم في ذلك المقام.. وحينها سنحتاج إلى عشرات من المواد الفيلمية للحد ومواجهة تداعيات تلك المشاهدات غير المدروسة العواقب... وما الواقع الذي نعيشه والسلوك الذي لانقبله والعادات التي نصفها بأنها لم نعتد عليها ماهي إلا مشاهدات قد تمَّ التعرض لها في وقت سابق.

إنَّ محاولة بعض الناشطين تعرية الواقع والوقوف على أهم مستجداته من خلال ما يسمى بالكوميديا السوداء لم يكن موضوعياً في بعض الأحيان؛ ذلك لأنَّ هذا النوع من الفنون يأخذ أسلوبه الفكاهي الجاذب من خلال سير الأحداث وتفاعل الشخصيات معها بعيدا عن المساس بما يسيء إلى الأشخاص أنفسهم خاصة وأن إضفاء صورة تهكمية ساخرة على المتأثرين بالقضية المثارة يجعل الموضوع مجافيا تماما للمنطقية..

وتكمن خطورة مثل هذه الأعمال في أنَّها تعيد برمجة عقل المشاهد مرة أخرى؛ ليضع معايير جديدة يحكم من خلالها على مدى نجاح الأعمال القادمة وإلى أي مدى هي قابلة للنشر والتفاعل. هذا ما سيُساعد على الاستمرار في إنتاج أعمال جديدة تأخذ نفس الأسلوب والطريقة.

ولذلك نُلاحظ نحن كمشاهدين أنَّ بعض المقاطع الفيلمية رغم رداءتها ألا أنها تجد تعليقات داعمة ومشجعة من قبل الكثير من المُشاهدين.

لذلك كان من الضرورة إكساب هؤلاء الشباب والناشطين أهم الأخلاقيات والأسس التي تنظم أعمالهم، وأن يتم إطلاعهم على نماذج من الممارسات الصحيحة وقوفاً على أهم مواقع القوة فيها ونماذج أخرى لممارسات غير موفقة وبيان تداعياتها والآثار المترتبة على مشاهدتها. إضافة إلى دور الأسرة المهم في هذا الجانب والمتمثل في تقديم انطباع واضح تجاه تلك المواد الفيلمية من خلال إبداء ولي الأمر رأيه حول المادة الفيلمية المُتداولة وذلك بترك تعليق مناسب يُبين فيه عدم اقتناعه بالكيفية التي عرضت عليها المشاهدة داعماً رأيه بالإيضاح والتبرير المناسبين؛ ليقف المقطع الفيلمي مع كل من يصله من أفراد الأسرة.

تعليق عبر الفيس بوك