علي بن سالم كفيتان
مع كل يوم وطني يمر على دولة الإمارات العربية المُتحدة نتذكر المشاعر النبيلة للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، معنا نحن العُمانيين ووقفته المُخلصة مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- منذ بداية عهد النَّهضة العُمانية؛ إذ لم يتردد أبو خليفة مطلقاً عندما يتعلق الأمر بعُمان، فتسبقه عفويته البدوية النقية ونخوته العربية الخالصة إلينا، وظل ذلك ديدنه حتى توفاه الله فبكيناه كما بكته الإمارات والأمة العربية والإسلامية.
لقد أحببنا من خلال الشيخ زايد كل إماراتي، وعشقنا الإمارات التي تربطنا بها وشائج الأخوة والمحبة والعيش المشترك؛ فعندما ندخل دار زايد لا نحس بالوحشة أو الغربة، فهي وطننا الثاني وشريكنا الأول في الأفراح والملمات وبوابتنا المشرعة للخليج ففي كل بيت إماراتي نسب عُماني نعتز به وفي كل شبر من عُماننا الغالية موقف إماراتي خالد فنحن شعب واحد في دولتين.
كعُمانيين آمنا بمبدأ السلام وعدم التَّدخل في الشؤون الداخلية للغير فإنَّ كل خطوة يقدم عليها إخواننا تجاه علاقاتهم وحتى طموحاتهم تعتبر قراراً سيادياً لهم ومن حق الدول تقييم سياساتها وانتقاء شركائها بما يخدم مصالحها وهذا ما نفعله نحن طوال نصف قرن من السياسة الناعمة مع جميع الشركاء في العالم فمهما بلغت درجة العواطف تظل شعورا وجدانيا لا يمت لعالم السياسة بصلة صحيح أنَّ الدفء السياسي يرتكز على مدى الشعور بالأمان العاطفي لكن هذا لا يكفي لبناء الدول والكيانات السياسية، ولذلك يتوجه الساسة للمناورة خارج المتوقع أحياناً للخروج من الأزمات التي لا يعيها الفرد العادي فزيارة رئيس وزراء إسرائيل لعُمان عام 2018، كانت حدثاً غير متوقع ولكنه حصل في إطار مجموعة من المتغيرات التي أفرزتها الظروف آنذاك وأوجدنا المبررات الكافية لهذه الخطوة كونها تصب في مصلحة السلام والأمن بمنطقتنا.
في تقديرنا يجب علينا ترسيخ العلاقات بشكل متين مع شريكنا الاقتصادي الأول في العالم وهو دولة الإمارات العربية المتحدة والتعامل مع المواقف بعقلانية بعيدا عن التهييج السياسي وشيطنة الآخر الذي أوقدته قنوات فضائية ونفخت فيه مواقع التواصل الاجتماعي حتى طالنا جميعاً، ومثلما قال معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية السابق إنَّ هناك أموراً تحدث بين الجيران، وهذا وضع موجود في العرف السياسي ويتم علاجه بطرق تنتهجها الأطراف المتجاورة؛ فليس كل خطأ يكون مقصودًا، لكن الحساسية السياسية أصبحت مفرطة في المنطقة لدرجة أن أي فعل بسيط يدخل في دولاب التكهنات ويصنع منه عدوانا ومقاصد شتى نحن في غنى عنها، لذلك فإنَّ تقديم حسن النية بالآخر أصبح جزءًا هاماً من الأمن الوطني في هذه المرحلة.
لقد انعكس الخلاف الخليجي على علاقاتنا التاريخية مع دولة الإمارات العربية المتحدة رغم أننا لسنا أحد أطراف الخلاف على الأقل من خلال الإحساس الجمعي الذي أنساق لا شعورياً لمُؤثرات الآلة الإعلامية الأكثر تأثيراً في الرأي العام حتى أصبحنا لا نقبل كل ما هو قادم من جيراننا الذين فرضتهم الجغرافيا والتاريخ معاً. وللمتابع أن يُقارن بين تقاربنا مع أطراف إقليمية أخرى وحرصنا على إبقاء الباب مفتوحاً معها رغم ضآلة المردود الاقتصادي على الأقل وهنا تكمن أهمية الموازنة وحساب المصالح المشتركة بعيداً عن الانجرار العاطفي البحت الذي تقوده أدوات إعلامية لا ترحم في منطقتنا الخليجية. لدينا يقين بأنَّ الأزمة الخليجية ستنتهي قريباً وأنَّ الإمارات العربية المتحدة ستظل هي الجار الأقرب لعُمان ولنا الحق الكامل في عدم مسايرة خطواتها السياسية في الإطار العام لأنها تخصها بالدرجة الأولى ومما لا شك فيه ستكون هناك انعكاسات لكن الكفة ترجح للمراهنة على الأمد المتوسط والبعيد للمحافظة على مواقف رسمية وشعبية منضبطة تجاه جارنا في التاريخ والجغرافيا وشريكنا الاقتصادي الأول في العالم.
في مثل هذا اليوم الذي تحتفل فيه الإمارات العربية المتحدة بيومها الوطني الـ49 نقول ستظلين يا دار زايد موطن الأوفياء الطيبين الذين لم ينقطع أثرهم الجميل في عُمان وسنظل نحن كما كنَّا لكم عبر التاريخ الدرع الحصين والناصح الأمين فاتحين لكم كل بواباتنا السياسية وإرثنا العظيم مع الأمم المُختلفة لننطلق معاً لآفاق أرحب وأوسع من التعاون والاستقرار في منطقتنا ساعين لمزيد من الرفاه لشعب الإمارات وعُمان وفاعلين بكل ما نملك من أدوات لإعادة لحمة دول مجلس التعاون الخليجي لسابق عهدها بإذن الله تعالى.. وكل عام وأنتم بخير.