حمود بن علي الطوقي
في السادس عشر من شهر نوفمبر 2020، وفي خضم احتفالات البلاد بعيدها الخمسين المجيد، احتفلت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية باليوم العالمي للتسامح، وهو اليوم الذي أعلنت فيه السلطنة تدشين مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الانساني، والذي دُشِّن رسميا بتوجيهات السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في العاصمة الإندونيسية جاكرتا في 2019، بمشاركة عالمية واسعة مؤمنة بهذا الفكر، وبهذا المشروع الذي يدعو إلى التعايش السلمي بين الأمم والشعوب.
السلطنة آمنت بهذا الفكر، وكرس السلطان قابوس -طيب الله ثراه- من الوقت والجهد كي يلامس هذا المشروع كل دول العالم التي تنشد السلام والمحبة والوئام.
وعُماننا الحبيبة تحتفل مع شعوب العالم باليوم العالمي للتسامح، لكنها تعتصر حزنا بفقدها الجلل أعز الرجال وأنقاهم -طيب الله ثراه- ولكن ما خفف هذا الحزن هو النهج الذي ينتهجه السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- والذي جعل من احتفالات نوفمبر المجيد تمتزج بحب الشعب للسلطان الراحل وبالمضي قدما على نهجه القويم، وهذا ما يكنه الشعب العماني قاطبة من حب عظيم لقائد أبيٍّ ضحَّى من أجل أن يعيش المواطن العماني أينما كان في رغد عيش وطمأنية، ينعم بخيرات هذه الأرض الطيبة بحب وسلام، ونحن نحتفل بذكرى مرور عام على مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني والذي تزامن مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد الخمسين، يُواصل سلطاننا المعظم هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- المسيرة المظفرة؛ حيث بايعه العمانيون سلطانًا وأبًا ليُكمل مسيرة البناء والتنمية، رافعا راية المجد والعزيمة لنهضة عمانية متجددة، تنطلق برؤية عمان 2040، وهي رؤية واضحة ونهضة متجددة طموحة لغد مشرق.
نعم.. يحتفلُ العمانيون باليوبيل الذهبي، ودائما وفي كل مناسبة وطنية يستذكرون البدايات الأولى للنهضة العمانية، بقيادة سلطانها الخالد قابوس بن سعيد -رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان- يستذكرون مقولته الشهيرة عندما ناشد أبناء شعبه الوفي قائلا لهم: "عفا الله عما سلف"، وهنا نستنتج مبادئ قيم التسامح التي كان يؤمن بها السلطان الراحل تجاه شعبه، وأصبحت فيما بعد رسالة ونهجا وفكرا قويما للسياسة العمانية في التعامل مع أبناء الشعب والمجتمع بأسره في الداخل والخارج؛ لتطلق الشمعة المنيرة بفكر مستنير يحمل اسم مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني.
وهذا المشروع هو فكرُ باني النهضة العمانية الحديثة لنشر رسالة المحبة والسلام، والتي أصبحت محل تقدير وافتخار لدى مختلف شعوب العالم، بل أصبحت منارا ونبراسا لكل من ينشد العيش في رخاء وأمان.
وها هي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تترجم هذه الرسالة بإقامة معرض "رسالة الإسلام من عُمان"، وسعت لترسيخها لتنطلق من عُمان وتنثر القيم في مختلف ربوع العالم، هذه الرسالة العمانية التي جابت اكثر من 120 مدينة وعاصمة عالمية، وهي تبرز مظاهر التسامح العماني والتي تنطلق من خلال ثلاثية المعاني التي تؤمن بها السلطنة وهي التسامح والتفاهم والتعايش، ومن خلال هذه الثلاثية المتلاحمة جابت هذه الرسالة الإسلامية من عُمان بإشراف سعادة الدكتور محمد بن سعيد المعمري وفريقه أقطارا تمد يدها للعالم وتبني جسورا للتواصل الحضاري والإنساني، تدعو العالم لنشر المحبة والوئام ونبذ الطائفية.
بهذا الفكر المستنير، تحصُد الآن السلطنة محبة الشعوب، وأصبحت عُمان الدولة النموذجية التي تحظى بتقدير العالم، وتشير التقارير الدولية إلى مدى تقدم السلطنة في نشر قضايا التسامح بين الشعوب. وقد ذكر جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في خطابه التاريخي المُضِي قدما على خطى السلطان الراحل مؤكدا على الثوابت القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، وتعهد جلالته بأنْ يبقى كما عهدنا العالم في عهد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد، داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية، وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم.
وأستذكر هنا خطاب المغفور له والدنا الراحل السلطان قابوس -طيب الله ثراه- أمام مجلس عمان عام 2012م، متحدثا عن الفكر الذي تؤمن به السلطنة.. قائلا: "أما سياستنا الخارجية فأساسها الدعوة إلى السلام والوئام والتعاون الوثيق بين سائر الأمم والالتزام بمبادئ الحق والعدل والإنصاف، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وفض المنازعات بالطرق السلمية، وبما يحفظ للبشرية جمعاء أمنها واستقرارها ورخاءها وازدهارها".
هذه السياسة التي تؤمن بها السلطنة وأثبتت أن السلام قيمة تتجاوز المستوى التنظيري، خاصة على مستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة.
هذه المناخات المتعددة، التي تعكسها سياسة السلطنة تشير إلى حقيقة راسخة، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ مما جعل من العاصمة مسقط محجًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، وجعلها لاعبا إقليميا إيجابيا ومؤثرا في الرؤية العميقة للسلام على المستويين الإقليمي والدولي.
ونختم مقالنا ونشير بفخر إلى أنَّ بلادنا الغالية وهي تطفئ شمعتها الخمسين أصبحت رقما صعبا في السياسة العالمية، ويشار إلى إنجازاتها وتعاملاتها مع العديد من الملفات الدولية الشائكة بالبنان، وانتهجت سياسة السلم لا الحرب في تدخلاتها التفاوضية، وآمنت في مُهجها وسلكت مسلك رأب الصدع لا شق الصف، ونالت بفضل ذلك احترام العالم والشعوب، على حد سواء، وهذا واحد من أعظم المكاسب التي ستظل خالدة في تاريخ السلطنة الحديث.
حفظ الله جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي يقود قاطرة نهضة عُمان المتجددة بكل اقتدار، ورحم الله سلطانها الخالد أعز الرجال وأنقاهم السلطان قابوس رجل المحبة والسلام والوئام.