حال الصناعة فى السلطنة

 

د. سمير بن جمعة البلوشي

 sameer651@hotmail.com

تعد الصناعة هي المحرّك الأساسيّ للاقتصاد لأيّ دولة، مهما كان حجمُ هذه الدولة، فهي رافدٌ مهمّ للحياة العمليّة والاقتصادية، وتُشكّل ثقلًا كبيرًا في الميزان الدولي الاقتصادي والسياسي، لهذا فإنّ الدول الصناعية تُعدّ من الدول الكبرى المتحكمة في مصائر الدول الصغرى التي تعتمد على غيرها من الدول، والدول الصناعية تقف في مَصافّ الدول المتقدمة التي يتمتع أبناؤها بمستوى معيشي ممتاز مقارنةً مع الدول البدائية التي تعتمد على استيراد البضائع المصنعة من الدول الأخرى.

فالصناعة المتقدمة تُسهم بشكلٍ رئيسٍ في دعم الاقتصاد؛ لأنها تعمل على تحويل المواد الخام إلى مواد مهمة ذات فائدة أكبر، فتزيد قيمتها أضعافًا كثيرة، وهذا يختصر الكثير من المال والوقت والجهد، وبدلًا من أن تكون مضطرةً لاستيراد جميع حاجياتها، فإنها تعتمد على الصناعة كي تُنتج مختلف البضائع التي تصدّرها إلى الدول الأخرى. كما أنها تسهم فى رفع مستوى دخل الفرد، إضافة لتوفير فرص العمل التي تعمل على الحد من نسبة الباحثين عن عمل.

وعلى الرغم من سعي حكومة السلطنة لإنشاء المناطق الصناعية من منطلق أهمية تنويع مصادر الدخل المحلى، فكان العام 1983 بداية إنشاء منطقة الرسيل الصناعية وتوالت بعدها المناطق الصناعية؛ فكانت صحار وريسوت ونزوي وصور والبريمي، وأغلب المناطق السكانية، ولاحقا تم إنشاء المؤسسة العامة للمناطق الصناعية، والتي سعت بدورها لتحقيق أهداف إستراتيجية من ضمنها وأهمها تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنعاش التجارة الدولية بتعزيز موقف صادرات السلطنة.

لكن ورغم هذه الجهود، إلا أنَّ واقع الحال لا يشير ولا يبشر بتحقيق هذه الأهداف ببعدها الإستراتيجي؛ إذ إنَّ جل الصناعات التي نهضت تندرج تحت تصنيف الصناعات الحرفية أو التحويلية؛ إذ إنها تعتمد على مدخلات إنتاج يتم استيرادها من الخارج  بصورة تجعل الميزان التجاري ليس في صالح السلطنة.

ومثال لنوعية هذه الصناعات، وليس حصرا صناعة السكر في السلطنة، فمن يسمع بهذا الاسم يظن أن كل عمليات التصنيع للسكر تتم داخل السلطنة، ولكن في حقيقة الأمر يتم استيراده وتتم إعادة تعبئته في عبوات صغيرة فقط، وما ينطبق على السكر ينطبق على الشاي والزيت وكل المواد الغذائية التي تُستورد من الخارج وتعاد تعبئتها، هذا النوع لا يعد صناعة، كما أن أغلب المناطق الصناعية عبارة عن ورش للنجارة وللحدادة وإصلاح السيارات، وهذه ليست صناعة بمفهومها المعروف، إنما تعتبر خدمات ولا تخدم المجتمع ولا تفيد المجتمع بشيء.

فالصناعة عملية تحويل شكل المواد الخام في الطبيعة ومضمونها لزيادة قيمتها وباستخدام أدوات مناسبة لجعلها قابلة لإشباع حاجة معينة؛ سواء كانت وسيطة أو نهائية؛ فتعبئة المواد الغذائية ليست صناعة، ولن تسهم في زيادة الدخل المحلى؛ لأن ما تستورده السلطنة كمدخلات لا يقارن بما يتم تصديره، كما أنها بصورتها هذه لن تخلق فرصَ عمل ولن تحد من نسبة الباحثين عن عمل في السلطنة، ولن تزيد من الاحتياطي النقدي.

إذ لا بد من التفكير بصورة جدية للتحول للصناعات الحقيقية، وهي الصناعات التي تعتمد على الإِمكانات المتوسطة من حيث رؤوس الأموال، والأيدي العاملة الماهرة والمدربة، والخبرة الفنية.. وعليه إذا أردنا أن نحقق أهدافنا الإستراتيجية في قطاع الصناعة، فلا بُد أن نعيد النظر فى الصناعة.

تعليق عبر الفيس بوك