بعض الاكتشافات نقمة

 

د. خصيب عبدالله القريني

 

هوس الإنسان بالكشف عن المجهول هو في الحقيقة فطرة إنسانية تثبتها الوقائع ويذكرها التاريخ، وهي إحدى النعم التي لولاها لما استطاع الإنسان أن يعمر الأرض ويبنيها، فلنا أن نتخيل شكل العالم لو لم يسعى الإنسان في العصور الوسطى مثلاً لاكتشاف الطرق البديلة للوصول للهند وما تبعها من نتائج على مختلف الأصعدة وكيف فتحت تلك الاكتشافات أبوابا كانت مغلقة وقارات كانت مجهولة رغم أنَّ الهدف لم يكن سوى الوصول للهند، وقس الأمر أيضاً على مجالات أخرى حدثت بها اكتشافات وكيف غيرت وجه العالم.

فحب الاكتشاف ليس مرتبطاً فقط بالجانب العام الذي يؤدي إلى نتائج يتأثر بها الناس جميعًا، فهذا ليس قاعدة فربما هذه التأثيرات تنعكس في نطاق ضيق يحتاج بعدها إلى اكتشافات أخرى ليصبح ذا تأثير عالمي واسع. ولكن هل كل اكتشاف في الواقع يصب في الجانب الإيجابي للعالم؟ إنَّ قدرتنا على الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة وفي نفس الوقت لا يُمكن اعتبارها مستحيلة، حيث إنها واقعيا متباينة ولو طبقنا ذلك على المثال الذي استعرضناه في بداية المقال لقلنا إنها كانت إيجابية للأوربيين ولكنها كانت قاسية على سكان المناطق المكتشفة، وهنا يبرز الإشكال الذي نحن بصدده حيث قد تكون بعض الاكتشافات نعمة على من اكتشفها ونقمة على من كان يحتفظ بأسرار ذلك الاكتشاف والعكس قد يكون صحيحاً.

ولو تركنا المجال العام جانبًا وأسقطنا ذلك على الجانب الشخصي هل نستطيع أن نقول إن كل ما أسعى لاكتشافه هو لصالحي دائماً كما هو في المثال التاريخي السابق، في اعتقادي الشخصي أن الأمر يحتاج لنوع من التأطير الذاتي الذي يحدد ما الذي أريد اكتشافه وما الفائدة التي سأجنيها من هذا الاكتشاف، فالعلاقات الاجتماعية بين الناس والتي هي محل خلافات دائمة هي في الواقع ميدان خصب للاكتشافات، فهناك من يصر إصرار تامًا على اكتشاف سبب عدم ذهابك لمناسبة اجتماعية معينة باحثًا عن كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة بغية تحقيق اكتشافه العظيم.

لكن ما الجدوى التي يمكن أن تتحقق له بعد معرفة تلك التفاصيل وكيف ستنعكس تلك الجوانب إيجابياً على مسار حياته، وهناك من يحاول أن يبحث عن تفاصيل حياتك السيئة لأغراض مُختلفة لتعود عليه تلك الاكتشافات بمردود سلبي في نهاية الأمر حيث الرغبة في البحث عن الاكتشافات السلبية تؤدي في العادة لنتائج سلبية وهي قاعدة أخرى في هذا الموضوع يجب الالتفات إليها وإدراك كنهها، فما تريد اكتشافه والبحث عنه يعتمد نظرياً على مقدار نيتك.

فلا تحاول اكتشاف سوى ما سيعود عليك بالنفع وعلى مختلف الأصعدة، فعكس ذلك يستنزف طاقتك ويهدر وقتك ويضيق مساحة الفرح في حياتك، وتأكد أنه حتى الرغبة في الاكتشاف بغض النظر عن نوعها وخاصة على مستوى العلاقات هي نوع من الاحتراق النفسي المدمر.

تعليق عبر الفيس بوك