نوفمبري الخمسيني الجميل

 

أنيسة الهوتية

نوفمبري الجميل مرحباً بك من جديد، حللت أهلاً ونزلت سهلاً، ما أجملك وأنت تأتي بمشيتك المثقلة هيبةً شيخاً تخضع له قبائل الغيوم، فيُلبسها بشتاً تتلألأ عليه قطرات الندى الأثيرية المتساقطة من لحيته البيضاء الطويلة، فتتحول إلى دُرر يلتقطها المارون على طريقك، ويخيطونها بخيوط من ذهب على جدار الحكمة الأزلية، وما أجملك وأنت تأتي على صهوة الرياح الثائرة أميراً شابًّا بين عينيه عُشٌّ لحمامات السلام التي كلما طارت تفوح منها عطور الحب والغرام، ومع هبة كل نسمة هواء عليل نتنفسه عشقاً وحين يغيب نفتقده شوقاً، وما أجملك وأنت تأتي طفلاً صغيراً يزيد شقاوةً مع نزول كل قطرة مطر على أرضه العطشى فتنبت الزهور؛ حيث يضع قدمه وهو يرقص فرحةً مع بركات المطر النوفمبري.

هكذا أنت بجمالك المتميز نقاءً، بقلبك الأخضر، بروحك البيضاء، بمشاعرك الحمراء التي تنثرها فينا حين وجودك، فنكون عشَّاقاً بك عشقاً غير ذي أمد وبدون تحديد، عشقاً يشع نوراً في قلب عمان يراه القريب والبعيد، عشقاً تتفتح به قلوبا موصودةً بالحب من جديد، عشقاً يسري في عروق كل عماني، مغذياً جسده بالنور المملوء أملاً، فتشع من عينيه بألوان الحب الثمانية التي يفوق جمالها ألوان قوس قزح الهائم مع الشمس تحت زخات المطر.

ورغم أنك قد بلغت الخمسين يا نوفمبري الجميل، إلا أنك لا تزال كما كنت في يوم ميلادك الأول حاملاً في يدك مشعاع النور الذي أزاح الظلام عن سمائنا وجعل زرقتها السماوية الصافية رِحَاباً تُعانقه مختلف أنواع الطيور حتى المهاجرة، التي ما إنْ تنفست أكسجينك النقي إلا وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من تلك السماء، واندمجت في تراب الوطن وفاءً وولاءً، وتعاهدت مع نفسها أمام ربها بأنها ستحمي نهضة عُمان التاريخية المتجددة والمتقدمة إلى الأمام دائماً ببركة الله سبحانه الذي حباها بقائد هذه النهضة -طيب الله ثراه- ثم أكرمها بخير خلف لخير سلف سلطان عمان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه.

وقد ذَهَب عنا بأمر الله جل وعلا سُلطاننا ووالدنا قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- بجسده، لكنه باق فينا بنهضته، ومدرسته، ونهجه، وفكره، وحكمته التي تربى عليها أغلب العمانيين الذين يشهد لهم العالم بالحكمة والتواضع والمحبة، وأينما ولَّى المسافر العُماني وجهته على هذه الكرة الأرضية تنهال عليه طوافين الاحترام والتقدير لمجرد أن يقول: "أنا عُماني"، فشكراً للسياسة القابوسية الحكيمة التي وجهت هذا الاحترام الجليل للمواطن العماني في العالم بأسره، وشكراً لنوفمبر الجميل على إهدائنا كل هذه الذكريات الجميلة التي لم ولن ننساها ما حيينا، وإن فقدنا وجود باني نهضتنا في الاحتفال الخمسين لنهضة عمان "اليوبيل الذهبي"، لكننا لن نفقد حبنا له -طيب الله ثراه- وستبقى دعواتنا ترافقه ليل نهار سرًّا وعلانية.

وحفظ الله جلالة السلطان هيثم بن طارق، وبارك له في هذه النهضة، وهذا الوطن، وهذا الشعب الوفي المغوار، وأطال له في عمره بالصحة والعافية والخير والسؤدد، وجعل دربه سهلاً مباركاً للخير في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.

مُبارك لك وعليك مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظكم الله ورعاكم- العيد الوطني العماني الخمسين، فقد اختارك أعز الرجال وأنقاهم تاجاً على رأس "اليوبيل الذهبي" لنهضة هذا الوطن الطيب والأصيل، وما اختارك إلا لأنه وجد فيك إنساناً يتصف بحسن التدبير والتقوى والحكمة والموعظة الحسنة. وأصبحت أنت الآن نور نوفمبرنا الجميل وحب الشعب وعشقه، حماك الله من كل شر ومكروه، وبارك لك وعليك وحواليك.