الذكرى الخمسين لهذا اليوم الوطني

عبدالله العليان

شاءت الحكمة الإلهية التي لا راد لقضائها، أن يغيب مؤسس نهضة عُمان الحديثة، جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته- عن هذه الاحتفالية السنوية المُعتادة كل عام، ومرور خمسين عاماً على تأسيس يوم النهضة العمانية المجيدة، وأن يتولى هذا العام مسؤولية الحكم والبناء، واستكمال المسيرة النهضوية العُمانية وتجديدها، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه.

ولا شك أنَّ هذا اليوم الخالد في الذاكرة الوطنية العُمانية، محطة سنوية مُعبرة عن هوية راسخة، تحرك الهمم، وتعزز الفاعلية وتذكر أبناء الوطن بهذه الوقفة السنوية، وتعبر بأن للوطن يوماً مجسداً للاحتفال، لابد من التذكير به جيلا بعد جيل، ويذكر به الجيل السابق الجيل اللاحق، فهذه الملحمة الوطنية تشعرنا بفرحة هذا اليوم الذي نعتاد أن يتم التذكير به.

وكان الوفاء للقائد الراحل المُؤسس غفر الله له، عبَّر عنه جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله-، في أول خطاب له في الجلسة المشتركة لمجلسي عُمان والدفاع، في الحادي عشر من يناير من هذا العام فقال جلالته: "لقد شاءت إرادة الله سبحانه أن نفقد أعزَّ الرجال وأنقاهم المغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- رحمه الله- رجل لا يُمكن لخطاب كهذا أن يُوفيه حقه وأن يُعدد ما أنجزه وما بناه فلقد بنى دولة عصرية شهد لها القاصي قبل الداني وشيِّد نهضة راسخة تجلت معالمها في منظومة القوانين والتشريعات التي ستحفظ البلاد وتنظم مسيرتها نحو مُستقبل زاهر أراده لها وأقام بنية أساسية غدت محطة أنظار العالم وأسس منظومة اقتصادية واجتماعية قائمة على العدالة وتحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل".

وفي خطاب جلالته السامي في الثالث والعشرين من فبراير المُنصرم، قال: "لقد فقد وطنُنا العزيز في العاشر من يناير الماضي أعزَّ رجاله باعث نهضته الحديثة ومؤسس دولته المعاصرة رجل الحكمة والسلام ورمز التسامح والوئام المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- وأنزله منازل المتقين الأبرار.. واستعراض إنجازاته العظيمة ومآثره الخالدة التي ستبقى مفاخر وطنية لعُمان الغالية، حاضراً ومستقبلاً ومصدر إلهام للأجيال القادمة يستلهمون منها الإخلاص والتفاني في خدمة الوطن والحفاظ على قيمه ومكتسباته وصون أمنه واستقراره والإسهام في نمائه وازدهاره".

إنَّ السلطان الراحل رحمه الله، وضع أمانة إدارة هذا الوطن العزيز من بعده في أيدٍ أمينة وحريصة على تأديتها على الوجه الأكمل، وهذا ما حدده طيب الله ثراه في رسالة الوصية المعروفة التي قرأتها وتم إذاعتها، عندما أشار إلى أنَّ هدفه من هذه الوصية كان"ضمان استقرار البلاد"، وحدد- غفر الله له- بالاسم جلالة السلطان هيثم مبرراً هذا الاختيار، كما جاء في الرسالة: "بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفاتٍ وقدراتٍ تُؤهله لحمل هذه الأمانة".

ولاشك أنَّ جلالة السلطان هثيم وفقه الله تعالى، حدد المعالم والمرتكزات والمحددات الأساسية في خطابه الثاني في الثالث والعشرين من فبراير الماضي، والتي ستكون منطلقاً لسياسة السلطنة، في المرحلة المُقبلة من حيث الأولويات المهمة للخطط والبرامج، وما ينبغي أن تنطلق منها الخطة الإستراتيجية 2040، والتي سيتم تطبيقها في بداية العام المُقبل، والمتعلقة بالتنمية الوطنية وما تتضمنه من خطط والبرامج في مختلف المجالات، وما تستهدفه الخطة من مواصلة البناء على ما تحقق من تقدم ونهضة في العقود الماضية التي شهدتها بلادنا، ليضاف هذا البناء الجديد على أسس قوية ومدروسة ومخططة في كل المسارات والتوجهات، في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة، وما ينبغي اتخاذه من سياسات وخطوات في ظل انخفاض أسعار النفط، وكذلك ظروف وباء كورونا، وكذلك ما ينبغي مراجعته من سياسات قائمة وتقييم الأداء الذي تمَّ وضعه بما يحقق الأهداف التي وضعت في هذه الخطة الإستراتيجية، باعتبار أن هذا من الأولويات والأهداف التي تسعى إليهما نهضتنا الحديثة، بعد انتهاء الخطة الإستراتيجية السابقة 2020. أما رؤية عُمان 2040، فقد أشرف عليها جلالة السُّلطان المعظم- أيده الله- منذ بداية تأسيسها وإعداد خططها وبرامجها منذ سنوات، وهي محط اهتماماته ومتابعاته، وذلك لتحقيق المزيد من الإنجازات والأهداف، خاصة فيما يتعلق بالتنمية الوطنية، والبناء الاقتصادي، والإداري، والاجتماعي، ولاستكمال مسيرة النماء التي شهدتها بلادنا في العقود الماضية. وقال جلالته في ذاك الخطاب المهم: "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا مُحيد عنها ولا تساهل بشأنها".

وختاماً.. إنَّ مسيرة النهضة الحديثة والمتجددة، قد أعادت وستعيد لعُمان وجهها المشرق وتاريخها الحضاري، ودورها الرائد في محيطها الإقليمي والعربي والدولي، كما كانت منذ تأسيسها، كما أنَّ هذه الإنجازات، ما كان لها أن تتحقق لولا السياسة الحكيمة والمستنيرة التي تتفاعل مع العصر وتحولاته بما يُحقق مصالحها وأهدافها الأساسية.