ظهوره في العيد يكفينا

 

علي بن سالم كفيتان

مع حلول ذكرى عيدنا الوطني الخمسين وفي ظل غياب الفارس الذي قاد ركب النهضة في بلادنا لا زلنا نستذكر قوة صبر وجلد السُّلطان الراحل، وكم كنَّا نُمني النفس أن نحتفل معاً لكن الأقدار غيَّبت الفارس واستبقينا الفرس الأصيل الذي طبعه السُّلطان قابوس- طيب الله ثراه- لقد استبقينا الأمل الذي رسمه في عيون الصغير والكبير، واستبقينا التنمية التي جرت في شرايين عُمان واستبقينا الأمن والاستقرار الذي يعم كل شبر من هذا الوطن، كل ذلك يكفينا لننطلق من جديد مع من استخلفه فينا إنِّه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- سلطان الفكر الرزين وسلطان تصحيح المسارات والمراحل.

نعم لن يُكتب لنا الانتظار أمام الشاشات هذا العام لمُشاهدة العرض العسكري للعيد الوطني الخمسين لكننا موعودون بخطاب سامٍ من جلالة السُّلطان هيثم بن طارق -أيده الله- ليُبين لنا معالم خطوات المُستقبل وبشائر سياسة التموضع الاقتصادي الجديد لبلادنا فمهما كانت التحديات نظل أمة قادرة على الاستمرار خلف قيادة جلالته الرصينة لنصل إلى مرافئ الأمان بإذن الله.   

كتب الكثيرون عن جلالة السُّلطان الراحل- طيب الله ثراه- وخاصة في مآثره السياسية وقيادته المُتفردة للشأن الداخلي والخارجي، لكن حياة السلطان كإنسان ظلت بعيدة عن الأنظار ولم يقترب منها أحد، وعندما استشرفت كتابة مقال عن عيدنا الوطني الخمسين تمنيت أن تصدر معه مذكرات السلطان قابوس فقلت من الذي يستطيع كتابتها؟ ذهب فكري لمن كان قريباً من شخصه- رحمه الله- طوال 50 عاماً ثم تساءلت ربما يكون السلطان الراحل -رحمه الله- كتب مذكراته ودونها في مكان ما فرجل مثل السلطان قابوس لا بُد أن يكون له مُذكرات سواء أكانت سياسية أو حتى خاصة، وهو- رحمه الله- يعي مدى أهميتها، ولا شك أنَّه سوف يسعد لنشرها إن كان بيننا أو بعد رحيله لنعلم عنه كإنسان في حياته اليومية متى ينام؟ ومتى يصحو؟ وما هو نظامه الغذائي؟ وهواياته المُفضلة التي يمارسها يوميًا؟ وهكذا...

أكرمني الكاتب والسياسي القدير على بن مسعود المعشني (أبو حسين) الأسبوع الماضي باتصال تحدثنا فيه لساعات عن السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وتمنيت عليه بحكم خبرته الدبلوماسية وقبوله في الأوساط العامة والرسمية أن يجتهد لتدوين مُذكرات السلطان قابوس من خلال لقاءات وتحقيقات استقصائية مع المقربين من السلطان الراحل -رحمه الله- ابتداء من منسقة الزهور وحتى الطبيب الخاص. فذكر لي أبو حسين أنه ينوي الدخول إلى عالم ذلك الصوفي... وحدثني عن مواقف نبيلة غاية في الإثارة من حياة السلطان وعن مدى إخلاصه لوالده حتى بعد وفاته؛ حيث كان مع كل إنجاز يتمنى أن يكون معه، وعن اتصاله بوالدته السيدة الجليلة كل مساء للاطمئنان عليها أينما كان في هذا الكون، وكيف كانت تكلمه بمنتهى الرقة، وتسأله عن تفاصيل حياته اليومية وتنقلاته وما يأكل وما يشرب وغيرها من التفاصيل الجميلة التي ينتظرها كل محب لقابوس الإنسان وليس السلطان.

نمني أنفسنا بتبني جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مشروعا لكتابة مذكرات السلطان الراحل؛ فهي بلا شك إحدى ممكنات القوى الناعمة لهذه الأسرة الكريمة التي تلهم العُمانيين الثبات والصمود مع كل المتغيرات، وكما قلنا فالحياة العسكرية والسياسية كتب عنها الكثير، لكن الحياة الشخصية ظلت غامضة، ويمكن أن تصبح مصدر قوة للمستقبل إذا ما تمَّ استعادتها عبر كتاب عُمانيون يحبون الوطن والسلطان وتقديمها كما هي بعفويتها وإنسانيتها البسيطة... يذكر لي أحدهم أنَّ السلطان قابوس- رحمه الله- كان يدخل في خلوته لأيام يجلس فيها مع ربه فقط؛ فكان يقوم الليل ويتهجد حتى طلوع الفجر، ولا يدخل عليه إلا المقربون لتقديم الطعام والاطمئنان على صحته فقط.

لا شك أنَّ السلطان قابوس كتب للعُمانيين الكثير في مذكراته معبراً عن حبه واعتزازه بهم ووقوفهم معه طوال نصف قرن ولا شك أنَّه يقدر كثيرا خوفهم وحزنهم عندما ألم به المرض فقد وضع جميع العُمانيين قضاياهم على الرف مُقابل عافية القائد ولا زلت أذكر موقفاً لباحث عن عمل صادفته يوماً خارجاً من مديرية العمل بظفار وهو مهموم ولديه كومة أوراق قال لي: كم أنا مُستاء لكن نفسي لا تطاوعني أن أثقل على كاهل السُّلطان المريض الكل متفقون على رسم الصورة التي يحبها في آخر أيامه لا نُريد أن ننغص عليه فظهوره في العيد يكفينا.