برقية لمنتدى عُمان البيئي 2020

 

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

عقد بالأمس مُنتدى عُمان البيئي الرابع الذي ترعاه جريدة الرؤية منذ بدأ دورته الأولى وشكل بذلك تظاهرة بيئية سنوية تزاحم مختلف المناشط وتجد لنفسها مكاناً وسط الضجيج الذي يلف العالم حول أهمية استدامة النظم البيئية واستمرار عطائها في ظل الزيادة المضطردة لسكان الأرض وصراعهم المستميت للسيطرة على مقومات الحياة.

لا شك أنَّ السلطنة رسمت لنفسها مكاناً في الخارطة البيئية العالمية من خلال اهتمامها الكبير بالتواجد الدولي في جميع المحافل والالتزام بالاتفاقيات الأممية والإقليمية التي تعنى بالبيئة، لكن المراقب لكمية الإنجاز على المستوى الوطني يرى هناك بونا شاسعا بين التواجد البيئي للسلطنة دولياً وبين كمية التقدم المحرز على أرض الواقع فالسلطنة تقبع في المرتبة 110 من ضمن 180 دولة حسب تصنيف مؤشر الأداء البيئي العالمي الذي صدر مؤخراً فأين تكمن المشكلة في هذا التباين؟

دأب المسؤول البيئي على صب جل اهتمامه في تحسين صورة السلطنة من خلال سياسة التواجد والمتابعة للنشاطات الدولية والإقليمية وضرورة العمل على إنجاز التقارير والبلاغات المطلوبة للمنظمات كأولوية قصوى وفي بعض الأحيان تكون تلك التقارير منمقة شكلياً وورقياً وتحوي من البيانات والمعلومات التي لا تنتمي للواقع بصلة في ظل تركيز ذهنية المسؤول البيئي على ضرورة مواكبة التطورات العالمية مهما يكن الوضع في الداخل وهذا أوجد لدينا تناقضا صريحا في السياسات البيئية فرغم كل ذلك الزخم الخارجي تراجع مؤشر الأداء البيئي للسلطنة لموقع لا يُمكن قبوله ونعتقد بأنَّ هناك فهم غير دقيق لماهية التقدم البيئي فبدلاً من العمل في الداخل توجهنا للخارج بطاقة أعلى وصار لدينا إيمان بأنَّ المنجز البيئي هو عبر مجاملة المنظمات التي انضممنا إليها وندفع لها سنويًا اشتراكات ليست بالهينة ولانكاد نستفيد من أنشطتها حتى على المستوى الاستشاري وهو حق مكفول لنا وفق أدبيات الانضمام فهل ستراجع هيئة البيئة هذا الوضع وتعيد رسم الأولويات وتوجهها للداخل؟ هذا ما نأمله.  

لا زال متخذو القرار المالي يضعون الشأن البيئي في ذيل قائمة الأولويات، وهنا نحمل المسؤول البيئي مجدداً الضعف في توصيل رسالته لمتخذ القرار المالي فرغم كل التقارير والمُؤشرات التي تنم عن وجود تراجع في جميع النظم البيئية في السلطنة لم تواكب السياسات المُتخذة تلك المؤشرات فالتدهور البيئي مستمر وبوتيرة عالية وخاصة في مجال فقدان الأنواع وتنامي القائمة الحمراء العُمانية للأنواع المُهددة بالانقراض سنويًا في الوقت الذي كان علينا فيه تقليل المُهددات وتحسين التصنيف عبر نقل أنواع مهددة بشدة إلى مهددة فقط أو حتى نقلها لمستوى أكثر أماناً وهذا مالم يحصل للأسف فلا زال الاهتمام منصباً على الجانب الرقابي البحت وبأدوات لا تواكب المرحلة بالإضافة لتنامي توجه جديد لدى المختصين البيئيين وهو الحصول على درجات علمية أكبر عبر السعي الحثيث لنيل فرص دراسة مدفوعة من المؤسسات البيئية ثم الهجرة للقطاع الخاص ولا عجب أن تجد من كان بالأمس يدقق في تصريح مؤسسة ويضع الاشتراطات البيئية أمامها لنيل التصريح البيئي هو اليوم من يسعى للحصول على تنازلات من أجل الحصول على ذات التصريح وهنا حري بالمؤسسات البيئية في السلطنة دراسة هذه الظاهرة ووضع الضوابط والحوافز لمنع هجرة الأدمغة البيئية للضفة الأخرى إذا ما أرادت تحقيق تقدم فعلي في الأداء.

والمشاركة المجتمعية في صياغة القرار البيئي باتت ضرورة ملحة، ومع ذلك لا نملك سوى جمعية بيئية واحدة يتطلب من كل المجتمع العُماني العمل تحت مظلتها؛ فأصبحت بذلك كأنها مؤسسة رسمية ولا نستطيع في هذا المقال تقييم أداء هذه الجمعية ولكننا نتطلع من هيئة البيئة ووزارة التنمية الاجتماعية فسح المجال للمزيد من المشاركات الأهلية عبر إشهار جمعيات تعنى بالعمل البيئي وفرق عمل بيئية جديدة، فالمجتمع هو من لديه القدرة على إحداث الفرق على أرض الواقع أما أن تظل الجهات هي الوصي الرسمي فإنَّ ذلك لا يتناسب مع نظرة البيئة العالمية وتوجهات إستراتيجية السلطنة وفق رؤية "عمان 2040".