كيف يفكر خبراء المال؟

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

عندما نقرأ بعض الأخبار التي قد نرى فيها تأثيرا سلبيا مستقبليا على الوطن فإننا نقدم ما يُمكن أن نراه مناسباً ويراه غيرنا غير ذلك لكنه في النهاية سيأخذ الأفكار بين شد وجذب ليصل بها في نهايته إلى رأي سديد ونبرأس عمل يقودنا إلى الارتقاء المجتمعي الذي نتطلع إليه جميعنا.

إنَّ وضع مبادرات لها صلة بخطة التوازن المالي القصيرة المدى هو في حد ذاته مجهود وطني يُشكر كل قائم عليه، ولأننا بعض من ذلك النسيج الوطني فإننا نريد أن نستوضح شيئاً ما من بين تلك المبادرات، خاصة فيما يعنى بالضرائب واستفرادا بإحداها التي سميت بضريبة دخل الأفراد المقترحة، فإننا نجدها صراحة هي من تفكيرات الماليين (أو خبراء المال) الذين لا تتميز عقولهم بالتفكير في كيفية زيادة العوائد الاقتصادية كما هي مُتميزة بالتفكير في البحث عن أرقام العوائد المالية، وهذا لما سجله التاريخ عنهم في دول شتى من العالم، لأنهم ماليون فقط وليسوا اقتصاديين مخططين بما فيه الكفاية ليضعوا خطط نجاح التخطيط الاقتصادي والرؤية البعيدة أساساً لتفكيرهم. فبمثل نمط تفكيرهم يكون عملهم في أروقة كل دوائر العمل ومنها الحكومي فتجد تفكيرهم في زيادة العوائد المالية يبدأ بالاستفادة من فرض الضرائب وزيادة الوعاء الضريبي وهو أول ما يدور في أذهانهم لأنه لا يكلفهم شيئاً سوى المُراقبة وتحكيم قبضة الاسترداد لتلك العوائد. كما أنهم لا يطيلون البحث في كيفية الحصول على مثل تلك الضرائب فيبحثون عن الأرقام المالية وأماكن تواجدها ويصلون إليها سريعاً ومنها لبلوغ غايتهم من ورائها، إنهم يذهبون إليها استرشادا بالأرقام الكبيرة أياً كانت مظلتها لا بأي القياسات الأخرى، في المقابل هذا منهج لا يعتمده الاقتصاديون المخططون في تفكيرهم، فتراهم لا يتفقون معهم في هذا الطريق والمنهج لما سيُؤثر على الرؤية البعيدة التي يرونها واضحة لديهم وضوحاً واسعًا.

ولأن دولنا العربية لا زالت لم تفصل بين المخططين للاقتصاد وبين الماليين الاقتصاديين فإنها دائماً في لبس عام وقد ترى دولاً بها الوزير فيها المسؤول عن الشأنين الاقتصادي والمالي وهذا يسبب في بعض تلك الدول ارتباكات غريبة جداً، فمثلاً عندما يفكر الماليون الاقتصاديون في فرض الضرائب تتوجه أفكارهم مباشرة إلى شركات القطاع الخاص لأنها ذات رؤوس أموال وفوائد ومكاسب كبيرة، كما أنهم إذا أرادوا كبح مصاريف حكومية بدأوا التفكير فيما تنفقه الحكومة باتجاه أي نوع من الدعم، أو إذا أرادوا خفض الإنفاق توجهوا بأفكارهم إلى توقيف المشاريع والأعمال، فلا يميلون إلى غير هذه الطرق التي أساسها جني المال بالسرعة أو الاحتفاظ به وعدم إنفاقه إلا بالبطء المُميت الممل مع الإقناع.

وعلى الرغم من أنَّ هذا التوجه صحيح لمن خطط لجني المال سريعًا أو الاحتفاظ به لمدة أطول لكنه مبدأ قصير الرؤيا والمنافع ولا يتوسع في الحال الاقتصادي الشامل.

فعند المخططين الاقتصاديين تخطيط يختلف اختلافاً جذرياً عن مثل تلك الأفكار الثابتة فتجدهم دائماً متغيرين بتغير الأوضاع والواقع لأنهم لا ينظرون إلى المال وجنيه أو الاحتفاظ به كأمر غاية في الضرورة أو لابد منه، بل نظرتهم إلى ما في المستقبل من استفادة وهي ما توحي لهم بالاعتماد على ما يرونه أمرا ضرورياً أو لابد منه، متبعين في ذلك الوقت والوضع وما يشتمله من جوانب اجتماعية واقتصادية ومالية، ومثال على ذلك فإنَّ فرض ضرائب متساوية على الشركات جميعها يعني أن شيء ما مخل في التشريع لمنظومة الضرائب وهو ما يعني أن على جهات الاختصاص إعادة النظر فيها فالشركة المصدرة لأي نوع من أنواع المنتجات هي شركة جالبة للدولارات، أما الشركة المستوردة لأي نوع من أنواع المنتجات فهي مصدرة للدولارات، هذا يعني بأنَّ السلطنة أو أي دولة تلجأ إلى تغطية حاجياتها من الدولارات ستقوم بالاقتراض مع دفع الفوائد (البلدان قليلة العملة الأجنبية) لنجدها دفعت أكثر مما استفادته إثر حصولها على أموال ضرائب الشركات المستوردة.

وإذا أردنا أن نصل إلى صلب موضوعنا فإننا نقول إنه عند التلويح فقط بفرض ضريبة دخل على أصحاب الدخول المرتفعة في دولة تحتاج اليوم أي يوم الإعلان أن يكون في خزائن بنكوها المحلية أموال بأرقام تسر الناظرين تساعدها على ما فيه من حال خاصة وأن تصنيفها الائتماني وصل إلى مرحلة معروفة، كما أنَّ بجوارها دول لمن تطبق فيها هذه الضريبة فإنِّها بهذا التلويح صراحة تحث على مُغادرة الأموال لتلك البنوك والهجرة منها أو حث الأموال القادمة إليها على المكوث بدول لم تطبق فيها مثل هذه الضريبة وبعدها كعادتنا كعرب سنلتمس الأعذار والحجج الواهية لتغطية ما كسبناه من مثل تلك التلويحات أو غيرها التي سمعناها سابقاً عن فتح أبواب الاستثمار وما يقدم للمستثمرين وما يُمنع عنهم أو ما يُردده العرب بعد كل إخفاقاتهم.