د. عبدالله باحجاج
هي قضية تبدو عامة من حيث المبدأ، لكنها تبرز الآن حسب علمنا في مُحافظتي مسندم والبريمي؛ حيث برزت إشكالية بين المُعلمات ومسؤولين في وزارة التربية والتعليم بسبب أزمة كورونا.. جزء من هذه الإشكالية، يكمن في عدم وصول المعلومة الصحيحة إلى المسؤولين في الوزارة، فهناك اعتقاد في الوزارة بأنّ هناك إمكانية بصورة ديناميكية لعبور المعلمين/ والمعلمات العُمانيين بين الحدود العمانية والإماراتية على مدار اليوم رغم إغلاق الحدود.
وكل من يطلع على خطابات الوزارة بهذا الشأن سيظهر له هذا الاعتقاد، وكل من يستمع للمعلمات، يتضح له خلاف ذلك، ويكتشف مُعاناتهن من جراء الوضع الحالي، وهذا يُوسع الفارق بين الجانبين، ويجعل العلاقة بينهما متوترة، لا تخدم الظرفية التعليمية التي هي الآن غير مستقرة بسبب عدم الحسم النهائي لقضايا التعليم في زمن كورونا في ظل مشاكل شبكة الإنترنت.
ويرجع صعوبة العبور في زمن كورونا إلى اختلاف الإجراءات الاحترازية بين البلدين الشقيقين، حيث تواجه المعلمات العمانيات مجموعة تعقيدات في العبور الحدودي، وفق إفادات البعض منهن، لا تتوفر لهن إمكانية العبور اليومي من مقر سكنهن "الأُسري" في العين إلى مقر عملهن في البريمي، مثلاً، والحال نفسه في مسندم المحاطة بتعقيدات جغرافية ما يجعل بعضها ترابها الوطني مُنعزلا عن جغرافيتنا الوطنية، وهنا يستوجب تقدير هذه الخصوصية في ظل استثنائية كورونا، والبحث في إشكالية الاختلاف بين الجانبين، بعيداً عن التلويح بالمواد القانونية العقابية، وهي مواد لم تقنن إلا من أجل إدارة الأمور الاعتيادية، أما في مثل أزمات كورونا، فالاعتبارات والتقديرات هي الأولى، خاصة وهي متاحة الآن، ومن السهولة التأكد من تباين الروايات المختلفة بشأن هذا العبور؟
وفي جزء آخر من الإشكالية، هناك عدم تقدير المسؤولين في الوزارة لخصوصية المُعلمات العمانيات في المحافظات الحدودية، فهل درسنا ماذا تعني الحياة في المناطق الحدودية التي طالتها عملية ترسيم الحدود؟ إنها ليست "خط سيادي" جامد دون روح سواء في الأحوال الاعتيادية أو الاستثنائية، إنما كيانات تظل عناصر التداخل والارتباط والاندماج قائمة إلى الأبد، ولن تنكسر أو تنتهي بالخط السيادي، بل ستظل قائمة ما ظلت الشمس تشرق من الشرق، وتغرب من الغرب.
لو أردنا أن نقف على ملامح عامة لمُعاناة المعلمات العمانيات في المحافظات الحدودية، فسنقدم حالة مُعلمة عمانية تعمل في البريمي، وأبناؤها يحملون الجنسية الإماراتية، ولديها أربعة أبناء، ثلاثة منهم في سن الدراسة في العين، وهي ملزمة الآن في زمن كورونا بأن تحضر يومياً للمدرسة في البريمي، فكيف يتأتى لها ذلك في ظل إغلاق الحدود بين البلدين؟ وكيف تترك أبناءها وربما أباها وأمها كبيري السن دون رعاية واهتمام؟
لذلك، فخيار إقامتهن في الأراضي العمانية حتى تنتهي الجائحة كما تقترح الوزارة، ليس موضوعاً، قياساً بخصوصية الخط السيادي، فالمعلمات هن ربات بيوت، ولديهن أطفال في سن الطفولة والمدرسة، ويشرفن على تعليمهم عن بُعد في العين، ويرعين كذلك آباءهن الكبار في السن، فمن الاستحالة، أن يطلب منهن الإقامة داخل أراضينا حتى تنتهي الجائحة التي ليس لها مدى زمني مُحدد، ومن هذه الاعتبارات، فإنَّ هذا الخيار غير مقبول من كل النواحي والاعتبارات.
ونحن على يقين، بأنَّ هذه القضية لو وصلت وفق إشكاليتها الثنائية إلى صناع القرار في وزارة التربية والتعليم، سيتم حلها فوراً، لكنها تدور الآن بين مستويات إدارية أفقية، ووفق فهم مخالف للواقع الميداني، لذلك يكتنفها الشد والجذب، والتهديد بتطبيق القانون، والمذكرات الصادرة رأسياً، لا تأخذ بعين الاعتبار القضية كما هي في الواقع وبحمولتها الاجتماعية والإنسانية، ولا خصوصية المحافظات الحدودية مثل مسندم والبريمي وأخرى على امتداد جغرافيتنا العمانية خاصة بعد ترسيم الحدود مع الأشقاء، مما ترتب عليه توزيع الديموغرافيا على تراب منقسم بعد أن كان واحدًا.
وهذا ما دفع بنا إلى تبني قضية المعلمات بعد أن وصلت إلى التهديد بتطبيق مواد قانونية، كالمادتين 62 و66 من قانون الخدمة المدنية، حيث تنص الأخيرة "إذا انقطع الموظف عن عمله لغير إجازة يستحقها، حسبت مدة الغياب من إجازته الاعتيادية إذا كان له رصيد منها، وإلا حرم من راتبه الكامل عن مدة غيابه"، ونتمنى ألا تصل الأمور إلى تطبيق مثل هذه العقوبات في علاقة الجانبين، وبالذات أن القضية قائمة على اعتبارات استثنائية وليست طبيعية.
وحتى لو اعتددنا بحجية المساواة بين المُواطنين التي تحتج بها وزارة التربية والتعليم في قضية الموظفين المنقطعين عن العمل لأسباب إقامتهم في دولة الإمارات، فإنها ينبغي أن تستثني منها المعلمات في المحافظات الحدودية في ظل أزمة كورونا، إلا إذا كانت لدى الوزارة من التأكيدات الدامغة بإمكانية العبور والانتقال السلس والمعتاد بين الحدود دون أية عراقيل، وهذا ما تنفيه المعلمات حتى كتابة هذا المقال.
والتعليم في زمن كورونا، يُعطي المعلمات العمانيات في المحافظات الحدودية، الأولوية في تأدية أعمالهن التعليمية من المنزل وفق الوسائل التقنية.. إلخ فلماذا لم يسمح لهن بذلك؟ ربما العلة هنا في إدارات بعض المدارس، كما وصفها الدكتور خالد بن علي الخوالدي في مقاله الأخير المعنون "رسائل إلى إدارات المدارس" المنشور في جريدة الرؤية، بأنها تسبح في بحر بعيدا عن التوجيهات.
من هنا نرى أنَّ قضية المُعلمات في المُحافظات الحدودية، لها من الخصوصية ما يجعلها تحظى بالاستثنائية المُمكنة، وهي متاحة، وهي بين أحد الخيارين: فإما السماح لهن بتقديم الدروس عن بُعد وهن في منازلهن، أو تعمل وزارة التربية والتعليم على سرعة استخراج تصريح العبور للمعلمين بالتعاون مع الأشقاء في الإمارات.
وأخيرًا.. نتمنى عدم جعل هذه القضية تحكمها المواد القانونية العقابية في علاقة الجانبين، وهي- أي القضية- تحتمل التقدير والاعتبار من كل الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية، ونتمنى عدم التلويح بقضايا المعلم المعتبرة بحرمانه من حقوقه المعنوية أو المالية، كما أوضحنا ذلك، فلابد من الوقوف مع المُعلمين/ المعلمات، من حيث المبدأ، وفي قضية المعلمين/ المعلمات في المناطق الحدودية خاصة، فهذا أبسط حقوق المعلم، ومن حقه الوقوق معه، خاصة في مثل هذه الظروف، وأقلها إيصال هذه القضية للمسؤولين في الوزارة، فلكم منِّا أيتها المعلمة، أيها المعلم، كل التقدير والاحترام، ونتمنى أن تتدخل وزارة التربية والتعليم سريعاً لحل هذه القضية وفق إحدى الخيارين السابقين.