مدرين المكتومية
لكلٍّ منا مشاعره الخاصة، منها ما هو مُكتسب، ومنها ما يتشكَّل مع مرور الوقت، ومِن أقسَى المشاعر الإنسانية على الإطلاق: الشعور بالخسارة؛ فعندما نخسر قريبا أو صديقا أو حبيبا، أو حتى حيوانا أليفا، نشعر بألم الخسارة ومرارة الفقد، لكن ثمة خسائر عندما تحدث تهُون من بعدها أي خسارة أخرى!
كما أنَّ هناك ألمًا لا يُمكن وصف وجعه أو حتى التعبير عنه؛ فيظل عالقا في المنتصف، وكأنه حاجز كبير لا يمكن تجاوزه والمضي بعده، وبجانب كل ذلك هناك مشاعر الفرحة والسعادة والبهجة... هكذا هي حياتنا ومعيشتنا، مجموعة من المشاعر المتباينة والمتنوعة حسب ما نمرُّ به من مواقف وما نواجهه من تحديات.
إنَّنا نعيش في كثير من الأحيان في حالة من اللا منطق عند حدوث الأشياء من حولنا، وقد نجد أنه ليس من المُنصِف ما يحدث لنا، وأننا لا نستحق أن نعيش في هكذا دوامة من الحزن والألم والفقد... وغيرها من الأحاسيس الصعبة والمشاعر المزعجة.
وعندما أتحدث عن اللحظات الصعبة، فبالتأكيد يجب أن أتحدث عن النسيان في الجانب الآخر منها، ففي الحياة لا يمكن أن نظل على نفس المستوى من التفكير والألم، بل أنَّ هناك لحظات ومراحل عصيبة لكن "الزمن" -أي الوقت- هو الفارق فيها؛ فهو الكفيل بتغييرها وتحسين كل ما كان سيئا؛ فالوقت هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يمحو الأخطاء، ويمكنه أن يعيد ترتيب الأولويات، ويمكنه أن يُلملم جراحاتنا، ويمكنه أن ينثر السرور على تفاصيل حياتنا، ويمكنه أن يعيد الأشياء لأماكنها الصحيحة.
الحديث عن الوقت، حديثٌ عن كل شيء في الحياة، كل ما رحل وسيرحل، وما بقي وسيبقى، كلُّ ذلك بفعل الوقت والزمن، فكأننا نعيش أمام ساعة رملية، قادرة على أن تقلب موازين الحياة كما نقلبها بين الحين والآخر؛ لذلك فالسعادة فعل مؤقت، والحزن كذلك، والرحيل، وكل هذه المشاعر أفعال مؤقتة لا سبيل لبقائها ولا سبيل لدوامها، نحن في كل لحظة ومرحلة ومحطة من هذه الحياة التي نحياها سنعيش كأبطال قصص غير واقعية من كمِّية الأحداث التي سنشهدها، وسنسجِّل فيها كل هفواتنا ونجاحاتنا وأخطائنا الصغيرة والكبيرة.
كلُّ إنسان يمرُّ في هذه الحياة بالكثير من المشاعر المختلطة؛ لذلك لا يجب أن نتوقف عند كل ما يحدث لنا ونتقوقَع في داخله، لأننا وبكل بساطة بشر، خُلقنا لنفرح، ونحزن، ونعيش كل لحظة ومرحلة بما يجب، وإلا سنجد أنفسنا نعاني من الكثير من الأمراض النفسية؛ لأنه يجب أن تكون لنا ردات فعل لكل المواقف، فحين يجب أن نبكي علينا أن نبكي، وعندما يتطلب الأمر أن نضحك بعمق، علينا أن نضحك، فالفاصل الوحيد لكل هذه الأشياء والأحداث هو الزمن، إنَّ ما يفسده الآخرون، ونفسده نحن، لابد أن يُصلحه الزمن، إننا أمام أهم فارق في الحياة وهو الوقت، الذي لطالما وجدنا فيه الكثير من الصعوبات، وانتظرنا الكثير من الأشياء بسببه، لكنه أيضا هو العلاج الوحيد لكل معتركات الحياة وتقلباتها.
علينا أنْ لا نخسر أنفسنا أمام الوقت، ولا نترك للوقت أيضًا فرصة لسرقة ما نمتلكه، وعلينا التعاطِي والتفاعل معه؛ فحياتنا مُرتبطة به ارتباطًا تامًّا، وأن نؤمن بأنَّ كل ما سيحل بنا وسنعيشه من لحظات ليس سوى فترة زمنية ستكون في الماضي بعد قليل.