من زنجبار إلى دار السلام

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"ليس من الخير في شيء حرمان القارئ والباحث والمطلع من تلكم الوثائق والصور ذات القيمة التاريخية العالية، ومنعها من الوصول إلى المكتبة العمانية".. سعود بن علي الحارثي

 

مع تطور الوقت والاتصالات، ووسائل النقل، تيسرت عدة أمور سهلت حياة الإنسان، ومن الأمور التي تسهلت اقتناء الكتب، كان كثير من القراء يُعانون من عدم القدرة أو صعوبة الحصول على كتاب معين، لعدة أسباب منها عدم وجود جهة توزيع للكتب تملك حق توزيع الكتاب المطلوب، أوغير ذلك من أسباب لا تخفى على أي قارئ مرَّ بمثل هذه الأمور.

قبل فترة قصيرة يسر الله لي عبر منصة بيع كتب عُمانية شراء ثلاث كتب من السلطنة، وكان من طيب الحظ أن الأخ العماني المسؤول عن هذه المنصة متجاوباً بشكل يستحق التقدير، فوصلت الكتب في موعدها زائد كتاب هدية منه شخصيًا، وأعطى فكرة طيبة عن الإنسان العماني، إذ وصلتني الكتب قبل أن يصله مبلغ الاستلام (بالطبع أنا أرسلت المبلغ لشركة الشحن لكنه لسبب فني بحت تعطل استلام المبلغ أكثر من ثلاثة أيام!)، والإنسان دائماً يُمثل نفسه وعائلته وبيئته كذلك حتى في أدق التفاصيل، شكرًا جزيلاً للأستاذ المحترم سليمان الراشدي ولمنصة زاد المعارف.

سأبدأ بدءًا من هذا المقال في تسجيل وجهة نظر ورأي متواضع بالكتب التي وصلتني وهي عدة كتب سأبدأ هنا بأولها، وفي مقالات قادمة سأكتب عن  بقية الكتب، أما البداية مع كتاب للأستاذ : سعود بن علي الحارثي بعنوان "من زنجبار إلى دار السلام.. وشائج قربى ومكون ثقافي مشترك" صدرت الطبعة الأولى منه 2013 في مسقط، عن بيت الغشام للنشر والترجمة، وذكر المؤلف أنَّ الأستاذ محمد بن سالم الحارثي راجعه وعلَّق عليه .

منذ قرأت عنوان الكتاب وكأنه يناديني لاقتنائه، فالعنوان جاذب لكاتب عُماني وعن زنجبار ودار السلام، إذن يبدو واضحاً أنَّ القارئ على موعد مع فحوى تاريخ وقراءات تدخل في حيز العراقة، وأعماق الزمن، منذ تصفحت بداية الصفحات وضح لي أن الكتاب لم يكتب كأدب رحلات، إنما يحتوي على آراء ومُشاهدات تخللتها عدة متذكرات من عبق الماضي، إذ لاننسى أننا نقرأ لعُماني يعود إلى زنجبار! (أقصد بالعودة بصفته مواطنا عُمانيا يرجع إلى بلد يرتبط بتاريخ كبير مع بلده).

في بداية الكتاب بيَّن المؤلف أن بداية فكرة الكتاب جاءت بعد كتابة مقال من أربعة أجزاء حول الرحلة وانطباعاتها نشرها في جريدة الوطن العُمانية، بعد ذلك قرر توسيع التجربة ونقلها من مقالات إلى كتاب متكامل، وأعتقد أنه رأي موفق.

الكتاب يحتوي على كنز من الرسائل بشكلها الأصلي المتبادلة بين أهل زنجبار العمانيين وأهلهم في عُمان، وتتبين طبيعة الخط والورق، وقد وضح الكاتب أنه تعمد أن يجعل الأوراق تتحدث عن نفسها بلا تدخل للترجمة، حتى يُعطي القارئ فرصة للبحث، كذلك نشرت صور عديدة لمرافق وشوارع في زنجبار، الكتاب رغم أن عدد صفحاته ليس بالكثير (68 صفحة+ وثائق ورسائل وصور) إلا أنه ينطبق عليه المثل الشهير: "خير الكلام ما قلَّ ودلَّ".

تميز الكتاب بنقل العديد من القصائد والأشعار ذات النسق المُعبر عن إنسان الفترة في ذاك العصر التاريخي، كذلك لفت نظري تركيز الكاتب واهتمامه الشديد بالحواشي والهوامش، إذ أخذت بعض الهوامش صفحتين متقابلتين، وأتصور أن الهوامش لوحدها يُمكن أن تكون كتاب لجودة وأهمية ما تحمله من معلومات، ولاشك أنَّ الحواشي والهوامش تدل على احترام الكاتب لمادته وقيامه بالإسهاب بالرأي وتوسيع رقعة الكتابة للمعلومة، وأيضًا يعتبر ذلك تقديرا لعقلية وذكاء القارئ والمتلقي.

مما قرأت في الكتاب أنَّ الكاتب يتحدث باستغراب وأسى كيف أنه شاهد كل الفنادق التي زارها هناك تضع أعلام دول كثيرة ومنها دول شقيقة ولم ير العلم العماني بينها!

أمر غريب فعلاً، لكن التاريخ يبقى تاريخ مهما حاول من حاول، والشمس لا يُغطيها الغربال!