"كورونا".. ومجاهدة النفس

أنيسة الهوتية

أصيبَ "فلان" بفيروس كورونا وتعافى منها، فأصبح يسرح ويمرح على الأرض وكأنَّه قد حصل على لقاح الشفاء الأبدي! أعتقد المثال السابق سبب من أسباب تفشي المرض في مُجتمعاتنا، فعندما يرى الآخرون "فلانا" هذا وهو يتحرك في أرض المعركة وكأنه شمشون فإنهم يقلدونه ومن ثم يُصابون وينقلون!

في حديثٍ بيني وبين أحد المُصابين المتشافين من كورونا قالها بفمٍ ملآن: "الأعراض كانت حمى مُؤلمة قاتلة ليوم ونصف، ومن ثم الأمور طيبة، والآن أنا عندي مناعة ضد كورونا ومرتاح! أحسن الكل يُصاب بالمرض ويأخذ مناعة وخلاص!" وهذا تشجيع على السعي للإصابة بفيروس كورونا والحصول على المناعة التي لا تجعل لديك حاجة لاحقة للقاح. هذا إن لم أُسيئ الفهم!

وأعتقد أنَّ هناك نسبة كبيرة من الشباب فعلاً يسعون للإصابة بالفيروس حتى يحصلوا على المناعة الطبيعية ضدها، ومن الغباء جداً هذا التوجه لأنه ليس كل جسم بشري كغيره وإن كانوا إخوة أو أشقاء أو حتى توأم! وأيضاً الدراسات الدولية أثبتت أن هناك مصابون متشافون أُصيبوا للمرة الثانية بنوبات أشد، ومتشافون لازالوا يعانون من الأعراض الجانبية المتنوعة والمُختلفة لدى كل واحد.

ففي كوريا الجنوبية 160 مصاباً في شهر أبريل الماضي تمت إصابتهم مرة أخرى بفيروس كورونا المُستجد للمرة الثانية بعد أشهر، فإذا المناعة ليست أبدية ويختلف أمدها من شخص إلى آخر. وفي الولايات المتحدة الأمريكية بعض المتشافين من الفيروس لازالت نتيجة فحوصاتهم إيجابية وهم لا يعانون أي أعراض أخرى بعد إنهاء فترة الحجر الكاملة! وهذه حالة أخرى غريبة وعجيبة!

وأثبتت دراسة أمريكية وكذلك صينية أنَّ عدداً كبيراً من المتشافين الشباب من الفيروس توفوا لاحقاً بسكتات دماغية، وبذلك وثق الباحثون الطبيون والعلماء أن الفيروس يمكنه إتلاف أجزاء كبيرة من المخ، وبذلك يتضح أن الفيروس لايهاجم الرئة فقط بل من الممكن أن يُؤثر على جميع أجهزة وأعضاء الجسم التي يستطيع الوصول إليها، وإن كانت أرقام الإصابات بالسكتات الدماغية القاتلة للشباب المتشافين من فيروس كورونا صغيرة في المجتمعات مقارنة بوفيات كورونا المباشرة، إلا أنه أمرٌ لايجب غض البصر عنه، وعن مختلف أنواع الجلطات التي أُصيب بها متشافون آخرون.

ولازال العُلماء يرصدون الأعراض الجانبية اللامتناهية للمُتشافين من الفيروس، فالمناعة ليست الشيء الوحيد الذي يتم اكتسابه في حال عدم الموت، فهناك حالات الخرف الكثيرة كذلك أو الزهايمر، فإن الفيروس يدرس الجينات البشرية للجسد كما أثبت باحثون من بريطانيا وأمريكا أن المتشافي الذي يمتلك جين "إي4" يُصاب بالخرف والزهايمر، وكأن الفيروس حين دخوله إلى أحد الأجسام يعمل فحص شامل متطور على الجسم ويحصل على كشف متكامل لأنواع الجينات والأحماض النووية التي يتشكل منها ذلك الجسم وبذلك لسنا نحن فقط من ندرس خصائص الفيروس بل الفيروس يدرس خصائصنا وبأسلوب أسرع وأذكى بدون أجهزة ومختبرات وغيرها!

وفي أمريكا لاحظ أطباء أنَّ هناك متشافين يشتكون من ظاهرة ضباب الدماغ الذي هو أشبه بأعراض ارتجاج الدماغ، وصرح الأطباء أن هذا ممكن بسبب انخفاض نسبة الأكسجين التي تصل إلى الدماغ عن المطلوب، وفي لندن لوحظ فقدان حاسة السمع لدى بعض المتشافين ولازالت منظمة الصحة العالمية تستلم تلك الملاحظات من الدول للدراسة عليها!

وفيروس كوفيد19 خطِر في حال قتل أم لم يقتل، والوقاية منه واجب لامفر منه على كل إنسان ليس لحماية نفسه بل المجتمع بأسره، وإن أصبحت الحياة مختلفة عمَّا تعودنا إلا أننا للمصلحة الخاصة والعامة يجب أن نتحمل ونحتاط، وهذا هو جهادُ زمننا هذا، زمن الكورونا.