السلطنة تتراجع إلى المركز قبل الأخير عالميًا في نسبة العجز المالي

"سيناريوهات صعبة" مع تفاقم الدين العام للدولة إلى 17 مليار ريال

◄ 20 مليار ريال العجز التراكمي بنهاية 2019

◄ 17 مليار ريال حجم الدين العام للدولة ويمثل 60% من الناتج المحلي الإجمالي

◄ 90 % زيادة في المصروفات الحكومية من 7.96 مليار ريال إلى 15.17 مليار

◄ تعيين 140 ألف مواطن في الحكومة خلال الفترة من 2010 إلى 2014 زاد من بند الأجور

◄ تراجع أسعار النفط منذ 2014 فرض "ضغوطا قاسية" على المالية العامة للدولة

◄ تطبيق الضرائب ورفع الرسوم ومراجعة المصروفات.. 3 حلول نجحت في تعزيز المالية العامة

◄ الإجراءات المتخذة غير كافية لردم الفجوة بين الإيرادات والإنفاق.. وخطوات جديدة مرتقبة

خطط حكومية مرتقبة لتحقيق الاستدامة وزيادة الإيرادات

مؤسسات الدولة تعكف على وضع حلول لأزمة الديون والعجوزات "الكبيرة"

استمرار الوضع الراهن يؤدي إلى:

ارتفاع الدين العام إلى 130% من الناتج المحلي بعد 5 سنوات

صعوبة الحصول على تمويل أو جذب استثمارات أجنبية

 

الرؤية- أحمد الجهوري

 

أماطت إحصاءات صادرة عن وزارة المالية اللثام عن "سيناريوهات اقتصادية صعبة" في حالة عدم إسراع الحكومة في اتخاذ إجراءات ناجعة ومستدامة، لمعالجة أولا: تراجع الإيرادات العامة، وثانيا: تفاقم مستويات العجز المالي، في ظل ارتفاع الدين العام للدولة لمستويات قياسية، تسببت في تراجع التصنيف الائتماني للسلطنة، وهبوط المركز المالي للدولة من السادس عالميا لينحدر إلى المركز قبل الأخير بين مختلف الاقتصادات حول العالم، وبينما يُنبِئ الوضع الراهن بإجراءات اقتصادية مرتقبة، تعكف مؤسسات الدولة المعنية على وضع حلول لأزمة الديون والعجوزات المالية "الكبيرة".

ووفقا لما تظهره البيانات المالية الرسمية، شهدت الفترة من 2010 إلى 2014 طفرة غير مسبوقة في الإنفاق العام؛ حيث زادت المصروفات الحكومية بنسبة 90% خلال الفترة من 7.966 مليار ريال إلى 15.172 مليار ريال، وشملت هذه الزيادة كافة بنود الإنفاق لكن بنسب متفاوتة؛ إذ قفز إنفاق الوزارات المدنية -والذي في غالبه من الإنفاق الجاري ولا يحقق عائدا على الإيرادات الحكومية- بما تشمله من رواتب ومصروفات من 2.663 مليار ريال، إلى 4.835 مليار ريال.

المصروفات الجارية

ويلاحظ أن أغلب الزيادة تركزت في بنود من تلك التي توصف بعدم المرونة، حيث يكون من الصعب التدخل فيها بالترشيد، ومنها: المصروفات الجارية والتي تمثل أغلبيتها أجور موظفي الدولة. وهذا الإنفاق كان ضروريا رغم كلفته؛ فخلال تلك الفترة (2010- 2014) جرى توظيف ما يزيد على 140 ألف مواطن، كما شهدت صدور القرار الخاص بتوحيد الرواتب، إلى جانب زيادة الرواتب والمصروفات الإنمائية، والتي تركزت أغلبها في مشاريع البنية الأساسية. وبدء الوضع المالي للدولة يسوء مع انخفاض سعر النفط منذ منتصف 2014، وتوالى الانخفاض لأكثر من 6 أعوام، وخلال تلك الفترة لجأت الحكومة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات للتخفيف من وطأة هذه الأزمة، لكنها في الوقت نفسه تفادت الكثير من الإجراءات التي قد تمس حياة المواطن ووضعه المعيشي.

لكن في المقابل، ساهمت مبادرات التكيف المالي خلال الفترة من 2014 إلى 2019 في تحقيق زيادة بالإيرادات غير النفطية بنسبة 3.2% سنويا، نتيجة لتطبيق الضريبة الانتقائية، وتعديل ضريبة الدخل على الشركات ومراجعة رسوم الخدمات الحكومية. كما تراجعت مصروفات الوحدات الحكومية بنسبة 13%؛ أغلبها تكمن في العقود والمشتريات. كما تقلصت المصروفات الاستثمارية خلال نفس الفترة بمعدل إجمالي 25.4%، وذلك بعد مراجعة تفاصيل المشاريع الجديدة قبل اعتمادها وإدراجها في الموازنة العامة للدولة.

هل الإجراءات كافية؟!

غير أن تلك الإجراءات لم تكن كافية لردم الفجوة بين الإيرادات والإنفاق، فسجلت ميزانية الدولة عجوزات سنوية متتالية، وبلغ العجز التراكمي خلال الفترة (2014 -2019) أكثر من 20 مليار ريال عماني، وبلغ أعلى عجز مسجل 5.3 مليار ريال عماني في عام 2016.

كما ارتفع الدين العام الذي كان يشكل ما نسبته 5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014، ليصل إلى أكثر من 17 مليار ريال عماني في عام 2019، وبذلك يكون الدين العام للسلطنة- ولأول مرة في تاريخه- يصل إلى أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال العام الجاري كان يفترض أن تكون الانطلاقة إلى تطبيق كل الخطط التفصيلية التي وضعتها الحكومة لزيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق وهي خطط علمية ومدروسة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وجاء الهواء بفيروس كورونا، ليحوله إلى جائحة ليست فقط صحية لكنها أيضا اقتصادية، حيث تسبب في شلل للاقتصاد العالمي، ووفق ما قالت وزارة المالية فإن آثار جائحة كورونا، مع ما أحدثته من تراجع إضافي لأسعار النفط خلال عام 2020، وكذلك التوقعات لأسعار السنوات المقبلة، مقارنة بالتوقعات السابقة نتيجة تأثير الجائحة على الطلب العالمي على النفط، وعلاوة على تراجع أسعار النفط فإن هناك تراجعا في كميات الإنتاج أيضا -التزاما من السلطنة لاتفاقية أوبك بلس- الأمر الذي أثر بشكل كبير على الحصيلة المتوقعة من النفط، لتنخفض الإيرادات المتوقعة في الأعوام الخمسة المقبلة بنحو 13 مليار ريال عماني عن التوقعات السابقة.

وخلال الأشهر الماضية من العام الجاري شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجعا بحوالي 4%، وفي أقل من عام واحد تم تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة في جميع وكالات التصنيف بدرجتين كاملتين، لتصل مؤخرا ما جعلها تدخل في شريحة الدول التي يعد الاستثمار فيها "خطرا".

والوضع المالي يمكنه أن يتحول لما هو أبعد من الحالي، لو أن الحكومة لم تعد الخطط المرنة والمناسبة؛ حيث من الممكن أن يستمر تسجيل عجوزات سنوية في الأجل المتوسط لا تقل عن 5 مليارات وريال عماني سنويا، وأن ارتفاع الدين العام بشكل سنوي ليصل إلى 130% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ويشمل السيناريو الصعب والذي تتفاداه الحكومة عبر خطط وبرامج مالية متنوعة ارتفاعا لتكلفة خدمة الدين إلى ما يقارب 3 مليار عماني في عام 2025، متجاوزا الصرف على قطاعي الصحة والتعليم.

العلاج الفعال

الكثير من العواقب يمكنها أن تترتب على استمرار الوضع المالي بهذه العجوزات، ليس فقط على الخزانة بل ما هو أبعد، لكن المطمئن أن الحكومة تعمل بالفعل على تنفيذ خطط لا تشمل فقط معالجة الوضع الراهن من تراكم للدين لعام، وتراجع في التصنيف، بل تعمل هذه الخطط التي سيكشف عنها قريبا على تحسين وتواءم مع متوسط أسعار النفط عند حدودها الحالية، لضمان الاستدامة وبما يبقي في نفس الوقت على الاستدامة المالية وعدم اللجوء لحلول مفاجئة أو قاسية.

تعليق عبر الفيس بوك