علي بن سالم كفيتان
رُبَّما يجوز لنا القول إنَّ سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مُفتي عام السلطنة، هو أحد قلاعنا الحصينة؛ ففي وجهه السمح نرى وجوه أبنائنا وصمود أجدادنا وبهاء انتمائنا الصادق لعُمان؛ فرغم تغير الزمن لم يتغير الشيخ ولم يتبدَّل أو يتلون جلده تماشيًا مع الزلات، بل ظلَّ الخليلي يتخطاها ليسمو هو ونسمو معه نحن.
إنه وجه بلادي المضيء في عتمة الليل، لذلك عندما وقف الشيخ إلى محرابه يدعو بزوال المحن وقف معه كل عُماني عصر الجمعة، فقد شاهدت بنفسي سيارات تقف على جوانب الطرق وجميع من فيها جلسوا إلى الأرض يبتهلون مع شيخهم الجليل ليحفظ الله بلادنا وبلاد المُسلمين والبشرية جمعاء من هذه الجائحة، حينها علمت جيداً أنَّ الرجل يُمثل أيقونة روحية لكل شبر من عُمان ولكل طفل ولكل سيدة ولكل رجل؛ فقد بكى الشيخ وأبكانا معه خوفاً وطمعاً في رحمة الله.
ظلَّ الشيخ الخليلي صوتنا وضميرنا الحي في وجه الجنوح لمُعاداة الإسلام والمسلمين وقضايانا العادلة؛ وفي مُقدمتها قضية فلسطين المحتلة، التي لم تفارقه دوماً؛ فقد ذكر القدس ودعا لها بالحرية والخلاص من اغتصاب المُعتدين، وهذه مقاربة بين الجائحة التي ألمت بالبشرية وبين قضية المسلمين المركزية التي باتت تنزف وتُعاني من النكران والجحود؛ فلطالما صمدت القلاع العُمانية في وجوه الغزاة وردتهم عن حياضها، وظلت تلك الروح الحيَّة الصادقة داخلنا لا تكاد تنفك عنَّا؛ فعندما تخفت الأصوات وتنحدر الهامات يرفع شيخنا الجليل رأسه، ويأخذ عصاه الغليظة في وجه الظلم والنكران فيشفي غليلنا من رؤوس الجبال شمالاً حتى ضربت علي جنوباً الجميع يلبون خلفه لبقاء أمتنا حيَّة مهما جار الزمن وتقلبت النيات وظهرت كل الخفايا للعلن، نظل نحنُ في عُمان الثابت الوحيد في وجه السقوط إلى الأسفل فقر عينًا يا شيخنا فعُمان بلدة طيبة وشعب كريم.
لقد خبرنا شيوخنا طوال نصف قرن فوجدناهم مناهل علم وتقى وورع سعوا بكل طاقتهم لتوحيد بلادنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وظل السلاطين يحترمون العُلماء، فيحفظون لهم مقامهم الذي يستحقون؛ فلا توجد معادلات تبادل مصالح؛ فالمصلحة واحدة هي عُمان وشعبها؛ ففي الوقت الذي تقلب فيه الجميع ونخرت الفتن كل أرجاء العالم الإسلامي في صراعات مذهبية وسياسية عبثية ظلت عُمان واحة أمان ومصدر الوئام في عالم ملتهب، فقد اقتنع الجميع بهذا النهج لأنهم يعلمون جيداً ما هو البديل الذي عاشوه لحقب طويلة من الظلام ولا ينوون تكراره؛ فكل القضايا يمكن معالجتها في بلادي دون ضجيج بعيداً عن التشظي تحت واقع صيحات الفتن.
وفي عُمان، لدينا مسجد واحد وإمام واحد، وكلٌّ لديه الحرية في تفسير مُعتقداته والثبات عليها دون التدخل في معتقد الآخر إلا بما هو خير؛ لذلك ظل شيخنا الخليلي يتحرى الصدق ويؤمن به ويعمل عليه طوال حياته؛ فكبرنا معه ولم نلمس هفوات تزلنا عن الدرب القويم الذي انتهجه مع المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- لذلك لم نرهق أنفسنا كثيراً بالاختلافات الشكلية بن المذاهب بل تفرغنا للعمل الوطني، ونرى اليوم ذلك منهجاً يتبع في العهد الجديد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيَّده الله- وهذا ما يسعدنا أن مشايخنا يعبرون عن وجهات نظرهم وتوجهاتهم بكل شفافية في القضايا الخارجية والداخلية التي تهمنا وتهم أمتنا فتستمع لهم جميع القنوات الرسمية، وتمنحهم خطوطَ العبور دون مُضايقات كونهم قلب الأمة العُمانية النابض.
كنَّا في المركبة وفتحنا رابطَ الدعاء، فأنصت الجميع في خشوع لما يتلوه الشيخ من آيات بينات وقول كريم من السُّنة النبوية الشريفة ودعاء مؤثر، وعندما اختنقت عبرات شيخنا ذرفنا دموعنا معه، وتوسلنا لربنا أن يحمينا ويحمي بلادنا من شرور هذه الجائحة، لقد دعونا مُخلصين مخبتين إلى الله جل وعلا ونحن على يقين بإجابة دعائنا فرسولنا -عليه أفضل الصلاة والسلام- خصنا في عُمان بدعائه ألا يسلط الله علينا عدوا من غيرنا، فعلمنا أنَّ هذا المرض هو من غيرنا، وطلبنا ربنا أن يكفه عنَّا... قالت عائشة الصغيرة ذات الأربعة أعوام: لماذا جدي يبكي؟ وهي تراقب الشيخ.. فقلت لها: جدك يبكي لأنه يحبنا جميعاً ولا يحب أن تمرضي، فقالت: أنا لا أحب الإبرة.. فقلت لها: إذن، قُولي آمين، فقالت: آمين.
اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وسلطاننا ومشايخنا، وجنِّبنا الشرور والمحن ما ظهر منها وما بطن... اللهم آمين.