المرأة العمانية في المشهد السياسي

د. نجمة بنت سعيد السريرية

دكتوراه إعلام وعلاقات عامة

باحثة في شؤون المرأة العمانية

 

يتجلى مفهوم المشاركة السياسية من خلال الدور الذي يلعبه الفرد في الحياة السياسية والاجتماعية لصالح مجتمعه، وتكون لديه الفرصة لأن يُشارك في وضع الأهداف العامة لذلك، وكذلك أفضل الوسائل لتحقيق وإنجاز هذه الأهداف، وقد رسخ الإسلام حق المشاركة في الحياة السياسية لكل فرد من أفراد الأمة، إذ من حق كل فرد بالمجتمع أن يعلم ما يجري في المجتمع الذي يعيش فيه من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للمجتمع، وأن يسهم في ذلك بقدر ما تتيحه له قدراته وموهبته متساوياً في ذلك مع أقرانه ونظرائه.

ومن هذا المنطلق أجاز الفقهاء أن يكون للمرأة حق الانتخاب وحق عضوية المجالس الانتخابية، إذ يعد ذلك تمكيناً لها من إبداء رأيها شأنها في ذلك شأن الرجل سواء بسواء ..... وبالتالي تملك المشاركة في سن القوانين".

"وقد قرر الإسلام للمرأة حق الإدلاء بصوتها في الأمور العامة، فشاركت في بيعة العقبة الكبرى كما شاركت في بيعة الرضوان تحت الشجرة". وقد روي أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولّى امرأة من قومه الحسبة أو قضاء السوق، وأجازت المالكية للمرأة الوصاية والوكالة.

كما يُعد ميثاق الأمم المتحدة الوثيقة الدولية الأولى ذات الطابع العالمي، التي تضمن فيها النص على مبدأ احترام حقوق الإنسان والمُساواة بين الجنسين، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر سنة 1948م، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دورة انعقادها العادية الثالثة، بقرارها رقم 217. وقد جاء الإعلان شاملاً ليؤكد حق المرأة مع الرجل أمام القانون في كافة مجالات الحياة السياسية، والمدنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، فأضحى بهذا من أشهر وثائق الأمم المتحدة في هذا الشأن.

وانطلاقاً من تلك الثوابت جاء مؤتمر المرأة في البرلمان الذي عقدته رابطة المرأة العربية بالقاهرة في الفترة من 20-21 يناير 2004، وكانت أهدافه التأكيد على أهمية زيادة نسبة تمثيل المرأة في البرلمان بشكل خاص والحياة السياسية بشكل عام وأهمية دور الأحزاب السياسية في دعم المشاركة السياسية للمرأة. ولاريب في أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية تختلف أو تتحدد تبعاً لاختلاف الأنظمة السياسية، حيث تتوقف مستويات تلك المشاركة على نمط النظام السياسي، والأدوار التي يسمح للأفراد بتأديتها، ومدى المشاركة السياسية في نطاقها، وهو مايعكس أثر طبيعة النظام السياسي على مشاركة المرأة السياسية، ومدى كون ذلك النظام أحد معوقات تلك المشاركة من عدمه.

وقد مثلت اللبنات الأولى لمشاركة المرأة العمانية في الحياة السياسية في الوقت الذي يزداد الاعتراف عالمياً أكثر فأكثر بقدرات المرأة ومهاراتها في مجال القيادة. ودخولها مجلس الشورى انتصار لها وتمهيداً لتبوأها المناصب رفيعة المستوى في الدولة، وقد منح مجلس الشورى في سلطنة عُمان تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- المرأة العمانية حقها في ممارسة دورها السياسي بما في ذلك الترشيح لعضوية المجلس.

وحظيت المرأة العمانية بحق الترشيح والترشح منذ العام 1994 في انتخاب أعضاء مجلس الشورى للدولة وكانت تجربتها من أوائل التجارب في منطقة الخليج، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فبعد أن أثبتت المرأة العمانية كفاءتها وقدرتها على تولي عضوية مجلس الشورى، والتفاني في القيام بواجباتها في سياق تنفيذ اختصاصاتها عبر جلسات المجلس، وأعمال اللجان دون كلل أو ملل بل إنها تبوأت مناصب رفيعة في الحكومة بالإضافة إلى عملها في مختلف قطاعات الدولة ".

هذا لم يقتصر دور المرأة العمانية في العمل بالجهات الحكومية الرسمية، بل تعداه إلى مشاركة والقيام بدور ريادي وفعال في القطاعات الأهلية وشركات القطاع الخاص. والذي تجلت فيه رعاية الدولة وحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه- على المستوى التعليمي التي أوصلها لمرحلة التمكين والإبداع في كافة المجالات ومنها ولا شك الحياة السياسية، بالإضافة إلى توفر فرص التدريب والتأهيل لها من قبل الدولة في لعب دور بارز في العملية التنموية في البلاد حتى باتت مشاركة المرأة العمانية  خطوة كبيرة وملحوظة في السلطنة.

وقد تولت المرأة العمانية  في ظل القيادة الرشيدة المراكز القيادية العليا في الدولة مناصب وزيرة للتعليم العالي، ووزيرة السياحة، ووزيرة التنمية الاجتماعية، ورئيسة للهيئة العامة للصناعات الحرفية بدرجة وزير. وقد تقلدت المرأة العمانية منصب وكيل وزارة ومنصب سفيرة لبلادها ومنصب وكيلة للادعاء العام بالإضافة إلى عضويتها في بعض مجالس رجال الأعمال ومشاركتها في غرفة تجارة وصناعة عُمان .

لقد شرفت المرأة العمانية باهتمام ورعاية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه- حيث جعل من السابع عشر من أكتوبر يوماً المرأة العُمانية احتفاءً بأهميتها، كما حظيت بنصيب وافر من المشاركة في رسم مسار النهضة الحديثة في السلطنة وأصبحت أيضاً عضواً فعَّالا في رسم وتنفيذ سياسات العمل المختلفة من خلال تبوأها للمناصب القيادية في القطاعين العام والخاص، الأمر الذي أتاح لها المشاركة الفاعلة في خدمة أهداف التنمية الشاملة التي تشهدها سلطنة عُمان.

ولكن في الوقت الذي فتح فيه المجال على مصراعيه أمام المرأة للمشاركة في الكثير من المجالات، إلا أن تلك المشاركة لفتت أنظار الجميع في انتخابات مجلس الشورى العدد القليل من الأسماء النسائية التي تقدمت للترشح، فهل يرجع ذلك إلى أن المجتمع لا يؤمن بعد بدور المرأة في الحياة السياسية.

في رأيي المتواضع، أرى ألا تكتفي المرأة بالمشاركة والعمل فقط، فلابد لها أن تخاطب المجتمع في محاولة شغوفة تنبع من ثقتها بدورها في المجتمع السياسي، وأن تخاطب أيضاً المجتمع النسائي وتقنعه بضرورة الوقوف خلف دور المرأة وانتخابها في العمل السياسي لتحقيق ذاتها والتعبير عن حاجة المجتمع للمرأة بنفس درجة حاجته لدور الرجل.

تلك المخاطبة والمباشرة في اختراق حالة المجتمع بعاداته وتقاليده الموروثة التي لم تعتد على دور المرأة القيادي والسياسي وهو الدور الذي سيفرضه وعي المجتمع وبخاصة المجتمع النسوي وتطوره الثقافي الذي يتطور مع الأيام ويتقبل مشاركة المرأة وفقاً لدورها الاجتماعي والمجتمعي بشكل عام.

ولتفعيل دور المرأة العمانية في المجتمع العامل ولتوسيع آفاق دورها في مسار النهضة، لابد من وضع ثوابت تبني عليها خطط النهوض بدورها تتمثل في:-

أولاً : الاهتمام بتعليم المرأة والقضاء على أميتها من الأسس التي ترتكز عليها المجتمعات الحديثة في البناء المجتمعي، فالمرأة هي الدارسة والمعلمة في نطاق المجتمع والأسرة.

ثانياً : أن تكون الدولة لديها الخطط الواضحة المعدة لاستقبال المرأة في مراحل ما بعد الدراسة سواء على مستوى مجالات العمل أو البحث العلمي حتى لا تتوقف مسيرتها عند نقطة محددة وأن تكون الدولة وقدراتها راعية لطموحاتها.

ثالثاً : التداخل الثقافي والمعرفي وتبادل الخبرات في مجالات تمكين المرأة علي المستوى الإقليمي والدولي وفق الثوابت الوطنية والدينية التي تعلي شأن المرأة وتحفظ كرامتها.

رابعاً: مع عدم إغفال أن السلطنة بقيادتها الرشيدة كانت السباقة في فتح الأفق السياسي أمام المرأة العمانية، نلتمس مزيداً من الدعم لمسيرة المرأة في المجتمع العامل ولا سيما الدور السياسي، بجعل حصة المرأة في المجلس ترتقي لأهمية الدور الذي تؤديه.

خامسا: دحض الموروثات والعادات التي من شأنها أن تقلل من قيمة المرأة ودورها في الحياة العملية من خلال برامج التوعية والحملات الإعلامية لغرس الثقة في نفسها واستكمال مسيرتها النهضوية في المجتمع العماني.

 

تعليق عبر الفيس بوك