المتهم بريء حتى تثبت إدانته

عبدالمجيد يحيى الراشدي

المتهم وفق القانون هو الشخص الذي يُوجَّه إليه الاتهام من جهة الاختصاص في الدولة بتحريك الدعوى الجنائية ضده، وهو يعدُّ الطرف الأول فيها، ويحمل المتهم هذه الصفة في كل المراحل التي تمر بها الدعوى بداية من توجيه الاتهام ضده من قبل الجهة المختصة إلى الفصل في الدعوى بحكم بات نهائيًّا غير قابل للطعن سواء بالبراءة أو الإدانة.

وقد نصَّت كل قوانين العالم على الحقوق الأساسية للمتهم، ويأتي في مُقدمتها البراءة حتى تثبت إدانته، ومعاملته على أساسها إلى صدور الحكم، وكذلك عدم جواز القبض عليه وتوجيه التهم إليه إلا وفق القانون ومن جهة الاختصاص، وحظر إيذائه جسمانيًّا أو معنويًّا، ولا يُكره على قول أي شيء، وكفالة حق الدفاع عن النفس.

وحماية الدولة للمتهم تأتي أولا لاعتباره إنسانا له حقوق كغيره، في مقدمتها الحفاظ على كرامته وعلى نفسه من الإيذاء، وإن أصبح في موضع الاتهام، ويأتي كذلك لكونه الطرف الأضعف في مواجهة سلطات التحقيق، وفي سلطنة عمان نصت المادة (18) من النظام الأساسي للدولة على: "لا يجوز القبض على إنسان أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون"، ونصت المادة (22) منه على: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وفقاً للقانون، ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا"،  ونصت المادة (23) منه على: "للمتهم الحـق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه أثناء المحاكمة"، ونصت المادة المادة (24) منه على: "يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا، ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظمه القانون، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه".

كما جاء في الأثر أن أحد الولاة في عهد عمر بن عبدالعزيز كتب إليه أن "نفرا من العمال اقتطعوا مالا، ولستُ أقدر على استخراجه من أيديهم، إلا أن أمسهم بشيء من العذاب، فإن أذِنت لي أفعل"، فكتب عمر: "إني أعجب من استئذانك إياي في عذاب بشر، كأني لك حصن من عذاب الله، وكأنَّ رضائي عنك ينجيك من سخط الله، فانظر من قامت عليه بينة، فخذه بما قامت به عليه البينة، ومن أقر لك بشيء فخذه بما قامت به، ومن أنكر فاستحلفه وخل سبيله، وأيم الله لأن يلقوا الله بخياناتهم أحب إليَّ من أن ألقى الله بدمائهم... والسلام".

والحقُّ الأساسيُّ الأول المتفق عليه في كل القوانين، هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذا مبدأ في غاية الأهمية، ولا ينبغي أبدا إغفاله أو تجاوزه من أي جهة صاحبة اختصاص؛ لأنَّ الأصل في الإنسان البراءة ويجب معاملة على أساسه، ومتى ما تمَّ تجاوز هذا المبدأ ضاعت معه العدالة برمتها، ولا يكون للمحاكمة معنى؛ كون أن تلك الجهات ستعامل المتهم كمجرم، وما إجراءات المحاكمة إلا شكل وتغطية قانونية للإدانة، ويكون كل إجراء من تحقيق وقرار إنما يتخذ لأجل الوصول لذلك، كإعادة السؤال للمجني عليه أو الشهود أكثر من مرة، في حالة أن الإجابة الأولى لا تساعد على الإدانة وذلك مأزق كبير، وكذلك الأخذ بالقرائن وتوظيفها لذات الهدف، وعلى جهات الاختصاص مراعاة تجنب كل ما من شأنه الانتقاص من حقوق المتهم، وجعل القانون والشرع أمام أعينهم وضمائرهم.

كما أنَّه من حقوق المتهم حفظ نفسه من الإيذاء، والتي من صورها الإكراه والتعذيب النفسي، وأقلها درجة ربما أكثر تداولا هو وضع المتهم منفردا في غرفة لعدة ساعات دون إعلامه عن السبب وقبل البدء في توجيه التهم والاستجواب، وهذا الأمر يعد حبس من دون قرار ومخالف للقانون، وقد لا يكون هو المتهم المطلوب ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالموضوع، ومن التجاوزات التحقيق مع مشتبه تم القبض عليه من قبل أفراد عاديين ليس لهم أي سلطة لمجرد الاشتباه وليس التلبس، ويسلب منه حينها أي حق مقرر بموجب القانون، والاستمرار في توجيه الاتهام لاحقا من قبل جهة الاختصاص على الرغم من أنَّ القبض تم بتجاوز للقانون.

كلُّ ما تم سرده هو من حقوق المتهم، والتي لا يمكن تغطيتها وحصرها في مقال، لكن أوردنا أهمها للفت الانتباه حولها ولسن القوانين وتعديلها لتحريم تجاوز حقوق المتهم والضمانات التي قررها القانون لهم، وجعل تجاوزها بطلانًا يلحق المحاكمة ككل، ونرجو أن نكون قد وفقنا في الطرح، والهدف هو الرقي بالعدالة لأسمى معانيها في بلد الأمن والأمان عمان الغالية على قلوبنا.

تعليق عبر الفيس بوك