سردين "الضاغية".. قوة اقتصادية لا علفًا!

خالد بن سعد الشنفري **
ينطلق هذه الأيام موسم صيد السردين على سواحل صلالة، والسردين أو "العيدة" كما يطلق عليها محليا سمكة صغيرة في حجمها كبيرة في قيمتها الغذائية (خاصة أوميجا 3) ولذيذة المذاق، وهي سمكة تتوالد في الأعماق وتخرج بعد اكتمال نموها إلى المياه الباردة قرب الشواطئ.

وتعد المنطقة البحرية من ريسوت غرباً إلى مرباط شرقا، أهم مسارات خروجها إلى الشاطئ، ودرج السكان على هذا الشريط الساحلي منذ آلاف السنين على اصطيادها، وكانوا يعدون العدة لموسم خروجها ناحية الشاطئ قبل أشهر من ذلك في موسم الصرب محلياً من كل عام الذي يأتي بعد الخريف مباشرة وتستمر ذروة اصطيادها لمدة أربعة أشهر تقريبا وأكثر أحيانا، وقد يتواصل إلى بدايات موسم الشتاء وذلك بتجهيز ما يعرف محليًا بـ"الضاغية" التي تعد بدورها صناعة أصبحت في منتهى الإتقان والتنظيم، لها سننها البحرية توارثتها الأجيال عبر السنين، وتعتبر من أوائل الأعمال التشاركية التي عرفها الإنسان ومارسها عملياً- لا تنظيرا- منذ آلاف السنين قبل أن ينظر لها منظرو القرن الماضي؛ حيث كان يشترك كل أهالي ساحل ظفار في هذا الجهد ويرزق منه الجميع ولو اقتصر عمل الواحد منهم على سحب حبل هذه الضاغية الممتلئة بكميات تقدر بالأطنان من هذه السمكة.

اجتهد الأوائل في ظفار في استغلال هذا الرزق المورد الذي يأتي إليهم كل عام بأدوات كلها من البيئة المحيطة أهمها نخلة النارجيل كحبال متعددة الأحجام تغزل من ألياف ثمرتها (الكزابه) بعد غمرها بالماء لمدة لاتقل عن أربعين يوماً لتصبح أليافاً يسهل نزعها من لحاءالثمرة وغزلها لصنع الحبال بسُمك معين حسب حاجات وأغراض استعمالاتها بغاية الإبداع والجودة والمتانة مثلها مثل نبتة القطن الظفاري طويل التيلة الذي تغزل منه شباك هذه الضاغية العملاقة (الجريف) نسبة إلى السحب (الجرف) وصولاً إلى طريقة نقلها على جمالهم الضخمة لمسافات لتجفيفها في ما يسمى (المنجيب) وحفظ هذه السمكة الصغيرة بعد ذلك بالطريقة الوحيدة التي كانت متاحة لهم وهي استغلال طاقة الشمس الهادئة والهواء المرسل لتجفف وتحفظ من الفساد لأشهر طويلة وتستخدم طوال العام حتى حلول الموسم القادم كعلف للأبقار بعد أن اكتشفوا بفطرتهم السمحاء أن هذه البقرة النباتية أصلاً في غذائها قابلة أيضاً لأكل هذا السردين المجفف بشهية منقطعة النظير وأن النتيجة كانت إدرار كميات أكبر من الحليب وبمذاق طيب لذيذ وتسمينا لها، فهل لزاما علينا نحن الأحفاد ونحن في هذا العصر أن نستمر على هذا المنوال رغم أننا نعيش ذروة عصر التبريد والتجميد وجودة تقنية التصنيع.

ألم يحن الوقت لنستغل هذه الثروة المتجددة في عمل مصنع تعليب وحفظ وتغليف لها والنتيجة لاشك وبالتبعية ستكون مصدر دخل قومي جيد ومستدام وقيمة مضافة بإعادة التصنع وتوفير فرص عمل للباحثين وتعزيز الأمن الغذائي.

عملياً هناك مصانع تعليب أسماك تقام في كثير من الدول المطلة على البحار لاستغلال مواسم صيد قد لا يزيد فترة اصطيادها عن فترة محدودة نصف فترة استمرار موسم الضاغية وهو مايعني أن هناك جدوى اقتصادية وإلا لم يلجأ لها أصلا، هناك أيضا موسم آخر في فصل الصيف يعزز من جدوى إقامة مصنع للساردين وإن كانت فترته أقصر وهو فترة ما يعرف بسردين أو (عيد العلا) وفيه تخرج هذه السمكة للشواطئ وبالذات حوالي مرباط بكميات ليست بالقليلة للحد الذي يمكن لأي شخص غرفها غرفا من الماء وهو واقف على أرجله وسط مياه البحر بالقرب من الشاطئ وترافقها سمكة (التبانة) بكميات كبيرة والتبانة سمكة من فصيلة التونة الشهيرة بتسويقها معلبة فيمكن تعبئتها وتصنيعها بذات المصنع وتمتاز هذه السردينة الأخيرة (عيد العلا) بكبر حجمها وكثرة شحومها ولذة مذاقها يعرفها الظفاريون ويترقبون ظهورها في موسمها الذي يكون في موسم القيض قبل الخريف.

** محامٍ

تعليق عبر الفيس بوك