لماذا تخشى إسرائيل تبعات حرب القوقاز؟

فاضل مندني *

منذ اندلاع الحرب بين كل من أذربيجان وجارتها أرمينيا نهاية الشهر الماضي، ووسائل إعلام إسرائيلية سعت بدورها للتركيز أكثر على الصراع الذي تجدَّد في آسيا الوسطى بالرغم من تزامنه مع اتفاق السلام الذي أبرمته تل أبيب مع كل من أبوظبي والمنامة، وبالرغم من مدى أهمية هذا الاتفاق لإسرائيل والتطبيع مع بلدين خليجيين، الأمر الذي مكنها من دخول الخليج عبر بوابة الإمارات والبحرين.

إلا أنَّ وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أنَّ السبب الرئيسي وراء الاهتمام المُتزايد للساسة الإسرائيليين حول الأزمة "ناغورنو قره باغ" يكمن في ابتعاد واشنطن من لعب دورها المُعتاد في بعض مناطق العالم، التي لدى "تل أبيب" مصالح استراتيجية فيها أو قد تتأثر سياساتها باندلاع أزمات مُشابهة هنا أو هناك.

 

وتشير وسائل إعلام إسرائيلية أيضًا، بالرغم من أن واشنطن ابتعدت كثيرًا عن دورها المعتاد في المنطقة لصالح كل من تركيا وإيران، إلا أن إسرائيل ستضطر للعب دور أكبر في أزمات المنطقة في ظل غياب الدور الأمريكي المُهيمن. وهذا لم يمنع تل أبيب من إبداء مخاوفها من الدور التركي في منطقة القوقاز، وذلك بعد أن تمَّ تهميشها في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.

 

لم تعد الحرب المستعرة في منطقة القوقاز تخيف دول الجوار كطهران وموسكو فحسب، بل امتدت إلى تل أبيب التي باتت تُراقب عن كثب التطورات وتخشى من عواقب تلك الحرب الدامية. فحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنِّه بالرغم من بعد منطقة جنوب القوقاز، إلا أنها ترى في البلدين منطقة نفوذ ونشاط استخباراتي لها في مُواجهة التحركات الإيرانية، كما إن الدور التركي البارز في دعمها اللامتناهي لباكو يثير مخاوفها أكثر فأكثر.

 

لا يخفى على أحد التعاون الأمني الكبير الذي اتسع خلال السنوات الأخيرة بين باكو وتل أبيب، ورغبة إسرائيل في أن تكون لأذربيجان اليد العُليا في حربها مع أرمينيا، كما أن باكو لم تخفِ رغبتها في تطوير تلك العلاقات.

أحدى تلك الأسباب يكمن في أنَّ أذربيجان تؤمن 40 بالمائة من حاجة إسرائيل من النفط الخام، وبالمقابل فإن باكو تُعتبر من أهم زبائن السلاح الإسرائيلي.

يمكن لنا أن نرى الأهمية التي تتمتع بها أذربيجان في السياسة الخارجية الإسرائيلية من خلال العودة لتصريحات بعض مسؤوليها، وأبرزها تصريح وزير خارجيتها السابق أفيغادور ليبرمان في عام 2012 الذي قال فيه: "إن علاقاتنا بأذربيجان أهم بكثير من علاقتنا بفرنسا".

وفي وقت سابق في يونيو الماضي عندما بدأ النزاع المسلح بين باكو وإيروان، أبدى خبراء إسرائيليون حثهم لحكومة نتنياهو على ضرورة دعم أذربيجان ومدها بالسلاح في حال نشوب حرب مع جارتها أرمينيا، لما تحظى بها أذربيجان من أهمية استراتيجية لتل أبيب خصوصاً فيما يتعلق بعلاقة باكو المتوترة مع جارتها الجنوبية إيران.

أشارت المحللة في المركز الدبلوماسي في مدينة صفد "ريشل أفراهام" في مقال نشر لها في صحيفة "إسرائيل هايوم" في يوليو الماضي، إلى ألا تتخذ إسرائيل موقف الحياد في حال نشوب حرب في جنوب القوقاز، وعليها أن تقف لجانب أذربيجان، ووصف باكو بعين تل أبيب في إيران.

 منذ تحسن العلاقات الإسرائيلية الأذرية لم تخفِ تل أبيب في مناسبات عدة امتعاضها سرًا وعلانية من العلاقات الجيدة بين طهران وايروان. كما أن وسائل إعلام إسرائيلية عدة أشارت إلى أنَّ تودد إيران وتقاربها مع أرمينيا يأتي رداً على علاقات جارتها الشمالية مع إسرائيل.

 

بالرغم من أهمية توقيع إسرائيل لاتفاق السلام الذي أبرمته الشهر الماضي مع كل من الإمارات والبحرين، ودور هذا التقارب في مُواجهة إيران، إلا أنّ أكثر ما تخشاه إسرائيل في الحرب الدائرة في القوقاز ليست طهران، بل أنقرة ودورها اللامتناهي في أذربيجان.

ويقول محللون إسرائيليون إن تركيا سعت خلال السنوات الماضية للضغط على بعض الدول في آسيا الوسطى والقوقاز من أجل خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية والتعاون الأمني مع تل أبيب، كما أن إعلان أنقرة الأخير لدعمها اللامتناهي لباكو آثار حفيظة الساسة في إسرائيل.

وقالت مصادر صحفية إسرائيلية مؤخراً إن تركيا سعت خلال السنوات الماضية لعزل إسرائيل عن محيطها، وأشارت إلى تدخل تركيا في نزاعات متعددة وحضورها عسكرياً في عدة بؤر للصراع في المنطقة، والأزمة السورية والليبية، أزمة القوقاز والأزمة الخليجية، خصوصاً بعد غياب الدور الأمريكي المُهيمن.

ولم يخفِ رئيس جهاز الموساد في لقاء نشر له مؤخرا في صحيفة التايمز البريطانية، مخاوفه من الدور التركي ومحاولات تأثيرها على علاقاتها بدول المنطقة قائلاً: " إن تركيا أشد خطورة من إيران على إسرائيل".

ما تخشاه إسرائيل أن تفقد نفوذها في أذربيجان لصالح تركيا، وأن يفقدها قربها من خطوط إمداد الغاز الآسيوية الغنية، كما أنَّ إسرائيل التي استطاعت التغلغل بنجاحٍ في النسيج العام في هذه الدولة القوقازية، والتي نجحت في أن يكون لها فيها قاعدة، ومركزاً تجارياً واقتصادياً متقدماً، ومركزا لنشاطاتها الاستخباراتية وجمع المعلومات في مواجهتها إيران.

* كاتب إيراني مقيم في مسقط

تعليق عبر الفيس بوك