هل صحتنا النفسية مهيأة للولوج إلى "رؤية 2040"؟

علي بن سالم كفيتان

يتبادر إلى الذهن أهمية الصحة النفسية للمجتمع للولوج لمراحل فارقة يكتنفها الكثير من الغموض والتحديات فقد احتفل العالم بالأمس باليوم العالمي للصحة النفسية وشاهدنا على مواقع التواصل الاجتماعي بعض الفيديوهات التي تحث المجتمع على الاهتمام والعناية بالصحة النفسية في السلطنة وهي بمُقدمة رائعة وبمختلف اللهجات الدارجة في عُمان!

لكنني لم أشعر أنها وصلت إلى قوة التأثير اللازمة على المستوى الشخصي وقد يُشاطرني البعض في ذلك فعام 2020 خلف في نفسياتنا الكثير من الآثار التي يصعب علينا البراء منها بلمسة سحرية عبر مقطع فيديو لا يتعدى بضع ثوانٍ ينصحنا للتمتع بصحة نفسية عالية في ظل ضغوط قائمة وأخرى لا يُمكن التنبؤ بها رأيت في ذلك نظرة نرجسية لا تمت للواقع بصلة مطلقاً وكأننا أصبحنا نعيش في مجتمع المدينة الفاضلة لأفلاطون.
لدينا إيمان بأنَّ الواقع صادم وأن الأحداث التي توالت علينا صعبة للغاية والسبيل الوحيد لمُعالجتها هو الاعتراف بها على المستوى الرسمي وإيصال الرسالة للمجتمع كما هي، فلا يستقيم الحديث عن صحة نفسية عالية ومجتمع متعافٍ دون النظر للتحديات والمصاعب التي تواجهه وإيجاد المعالجات الناجعة قدر الإمكان ولا يجب التمترس خلف الجائحة وتراجع أسعار النفط والظروف السياسية الدولية إلى ما لا نهاية، وكأننا نبحث عن أعذار لتأخير المعالجات، هذا الوضع هو السائد اليوم في ساحتنا المحلية والإقليمية للأسف فقد أصبح كورونا هو الشماعة التي علق عليها الجميع ضعفه في إيجاد الحلول للقضايا الملحة على المستويات الوطنية والإقليمية وحتى الدولية.
لا يمكننا أن نطلب من المجتمع الضحك وهو يبكي من الداخل على غياب فرص التوظيف وتراجع دخل الفرد وزيادة المكوس (الضرائب) وتبرير السياسات غير الموفقة في قيادة الدفة الاقتصادية كل تلك حقائق يعيها حتى الطفل الصغير اليوم ولكن الخطاب الإعلامي للأسف لا زال بعيداً عن فهم ذلك، ولا زال يخاطبنا بلهجة السبعين من القرن الماضي التي طويت مع الأيام فكانت لها تحدياتها وفرصها. ولا ريب أن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان الراحل- طيب الله ثراه- كيَّف الظروف رغم عظم الواقع آنذاك، وهو بلاشك أصعب بكثير عن واقع اليوم فكيف لنا الدخول لإستراتيجية 2040 بهذا الشعور. ومن هنا نرى أن التعامل الواقعي هو السبيل الأفضل لتهيئة نفسيات المواطنين والمقيمين للمرحلة القادمة فلا يُمكننا رسم سقف عالٍ لا يمكننا الوصول إليه أو الانزواء خلف الأحداث والتقلبات الدولية.   
لا يختلف اثنان على أن الخطوات التي أقدم عليها عاهل البلاد المفدى أيده الله كانت تتسق مع توجهات جلالته التي أعلن عنها منذ اليوم الأول لتوليه زمام أمور الحكم في البلاد، فقد تم الإقدام على خطوات مهمة مثل إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة واتخاذ سياسات صارمة لضبط الإنفاق وجدولة أوضاع الشركات الحكومية، ويتوقع الجميع حصد ثمار تلك السياسات الموفقة قريباً دون التفكير في خفض القروض الحكومية وفوائدها المتراكمة على كاهل الاقتصاد الوطني. أما المواطن العادي فلديه آلة حاسبة يجمع من خلالها عدد براميل النفط التي تصدر يوميا ويضربها في قيمة البرميل الواحد، ومن ثم يقوم بتقسيم المحصول على عدد سكان السلطنة فيجد أن الرفاه الاجتماعي خيار مُمكن جداً حتى لو تراجعت الأسعار إلى أقل من سقفها الحالي.
لذا نعيد التساؤل الذي عنونا به هذا المقال... هل صحتنا النفسية مهيأة للولوج إلى استراتيجية 2040؟ بحيث نكون بعيدين كل البعد عن حالة الانفصام الاقتصادي بين حالتي الوعود بمعالجة جميع الملفات العالقة مع بدء العام المقبل 2021، وبين حالة الاستمرار على النسق الحالي المعتمد على انعكاسات الفعل ورد الفعل عبر مُعالجات موضعية لا ترقى لمستوى الطموح، وما إذا كان لدينا الوقت الكافي قبل بدأ العد الفعلي لتنفيذ الاستراتيجية لتوضيح أجندة الإنجازات المتوقعة في العام الأول وإعلانها والالتزام بالسعي لتحقيقها مهما كانت صغيرة فهذا سيكون أفضل من العيش تحت سقف عالٍ من المكاسب غير القابلة للتحقق أو حتى القياس.
أحد العامة ذكر لي حقائق حسب تفكيره البسيط طبعاً، فقال لي: وزارة التربية والتعليم لا تعمل منذ عام تقريباً وبالتالي هناك الكثير من التوفير، ووزارة الصحة لم تستهلك مبلغ الصندوق المُخصص لكورونا بعد، ونسبة المراجعين للمستشفيات قلت لتخوف الناس من نقل العدوى، مما يعني توفير المزيد من الأموال في أكبر وزارتين يقال إنهما تحصلان على نصيب الأسد من الموازنة العامة للدولة، فيقول صاحبنا: كنا نتوقع صمود تلكم القلعتين لوقت أطول لكنهما باتتا الأكثر ضجيجاً هذه الأيام.