بين مكتب المدير وطاولة الموظف (1)

ناجي بن جمعة البلوشي

 

يعتقد كثيرٌ من مُوظفي القطاع الحكومي أنهم مستملكين ما هم فيه من مكتب أو طاولة حتى وصل بهم الأمر لليقين بعدمية ما سيفعله ذلك المُراجع حتى وإن انتقل بين مكتب المدير وطاولة الموظف مرارًا، بل إنهم يعتقدون أيضاً بأن المدير الأعلى من ذلك المُدير سيقوم بالأمر ذاته وبأنه سيحيل رسالة شكوى المراجع إلى نفس الطاولة التي بدأ منها ذلك المراجع مشواره، إنهم نسوا حقيقة لم هم هناك، وما وضعوا أصلاً إلا لخدمة المراجع أياً كان حاله وطبقته الاجتماعية، بل نسوا أنهم خدام الحكومة وذاك المراجع هو أحد أبنائها.

وإذا أردنا أن نبحث في شأن هذه التصرفات التي نظن أنها تصرفات فردية إلا أنها غير ذلك فإنِّه لابد لنا من بحثها بالزمن الذي تكونت فيه ومتى بدأت وكيف ترعرت بين كل موظفي القطاع الحكومي خاصة في الدول العربية، لهذا سنُحدد سؤالنا الذي سنبحث له عن إجابة وهو من هم الموظفون الحكوميون؟ وإجابته لابد أن تكون أنهم أفراد من الشعب في كل دولة أياً كانت قومياتها أو ديانتها أو لغتها وتقاليدها وأعرافها أو أي من المكونات التي يعرف بها ذلك الشعب، فإذا عرفت بلداً بها الشعب كسولاً فأعلم بأن الموظفين الحكوميين كثيرو الكسل وإذا عرفت بأن شعباً محباً للعمل وأداء الواجب فإنَّ الموظفين الحكوميين لابد أن يكونوا كذلك، وإذا تواجدوا في بلد دينها يحث على العمل والإتقان فيه فهم كذلك أما إذا وجدوا في بلد لا يُقدس العمل فلابد أن يكونوا بعيدين عن العمل والجدية فيه، وعلى هذا الموال يكون التشكل الإنساني في كل مُجتمع من ناحية العمل والجد والكفاءة والإتقان، لأنَّ هذا هو منطق العقل الذي لابد لنا أن نؤمن به فالواحد كالكل وليس الكل كالواحد.

سلطنة عُمان واحدة من الدول التي بها شعب من أفضل شعوب العالم كفاءة وقدرة وحباً للعمل والجد وهذا ليس مدحاً لأهلي وأبناء وطني بل هي حقيقة سنُضيف إليها براهين وأمثال، فالعُمانيون الذين تواجدوا في شرق أفريقيا إبان التواجد العُماني هناك يؤكد كيف وصلت تلك الدولة والأرض إلى ما وصلت إليه من اقتصاد وازدهار زراعي تجاري لوجستي، وكيف حالها بعد أن غادروها، كذلك حالهم في دول الخليج العربية التي تواجدوا فيها أيام الحروب الأهلية والضعف المعيشي في بلادهم وكيف كانوا بكل أنواع القوة والجد والكفاءة في إدارة الأعمال والنهوض بها أياً كانت أنواعها ومسمياتها، كذلك هم في عصر النهضة القابوسية المجيدة على صانعها رحمة من الله ورضوان، كانوا في كل حرفة ومهنة ووظيفة لا يكلون من العمل ولا يملون حتى أنهم يعملون في الصباح في وظيفة وفي المساء في وظيفة أخرى، وهم من بين دول الخليج العربية الذين لم يتركوا حرفهم ومهنهم الحرفية بل وعملوا في كل أنواع المهن والوظائف التي تأفف منها كثيرٌ من أبناء المجتمعات الخليجية عندما تواجدت وظائف المكاتب الحكومية إثر استخراج النفط، إذن هم من محبي العمل والكد وهم من بين الشعوب التي تقدس العمل وواجباته وتقدم له كل شيء من أسباب العطاء والكفاءة والقدرة على الإنجاز والإتقان، لكن إذا كان هذا هو وصفهم فكيف تكونت تلك الفئة من الناس في الوحدات الحكومية. سنكمل هذا قريبا.