مدرين المكتومية
ثمَّة تساؤلات في هذه الحياة بحاجة لإجابات شافية، وفي المُقابل هناك إجابات عديدة تبحث عن أسئلة مُحدَّدة كي نفهَم السبب وراءها؛ فمثلا هناك أشخاص لا يكفُّون عن التفتيش عن حياتك، أو البحث عن تفاصيلها، وكأنَّك شُغلهم الشاغل، فتجد البعض يجلس معك -سواء في العمل أو الدراسة أو حتى من يُقاسمك طاولة الطعام- ويريد أن يعرف عنك كل شيء، يبدو فضوليًّا في كل كلمة تنطقها، يستفسر ماذا يعني ذلك؟ وما وراء هذا؟ ولماذ؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومَن؟ والكثير من علامات الاستفهام التي لا تتوقف.
ومن ثمَّ أظل أتساءل في داخلي: لماذ يعيش بيننا هؤلاء الفضوليون بقدرتهم المستفزة على طرح الأسئلة واحدا تلو الآخر دون توقف، ورغبتهم السخيفة في مضايقة من يسألونه بإلحاح!! لا ضَيْر بكل تأكيد أن يسأل الأصدقاء والأحباء عن أحوال بعضهم، لكن ما الداعي للغوص في التفاصيل؟! ألا يفترض هذا أو ذاك أنَّ الطرف الذي يوجَّه إليه السؤال ربما لا يريد الحديث بإسهاب عن أمر ما، أو أنه لا يُفضل من الأساس الحديث عنه؟!
لذلك؛ أحرص بشدَّة على التمييز بين من يهتم بأمري ويكترث له، فيدفعه هذا الاهتمام وذلك الاكتراث إلى طرح المزيد من الأسئلة، أو مناقشتي في تفاصيل معينة. وفي المقابل، من يُمارس عاداته الفضولية معي، فيظل يسأل ويسأل حتى تمل الأسئلة نفسها من أسئلته!!
لا شك أنَّ هناك فضولًا مزعجًا وخانقًا، يحول صاحبه من شخص لطيف مهذب وودود، إلى شخص منبوذ لا يرغب الناس في مجالسته أو مُصاحبته؛ فمثلا تجلس على طاولة يشاركك شخص فيها، وتتفاجأ أنَّ الجالس بجانبك يكاد يقرأ كل كلمة في مُحادثة خاصة على هاتفك، وقد تجلس في مقعد السيارة وتجد عيني هذا الآخر حائرتيْن تُكَافح لقراءة ما يظهر على شاشة الهاتف، وكأنهم استباحوا كل تفاصيل الحياة الخاصة بك، فيَصِل بك الأمر إلى أن تجد نفسك مَشاعا للجميع، محروما من التمتُّع بخصوصيتك، وكأنك ارتكبت جُرما باحتفاظك بخصُوصيتك هذه.
مِنَ المُؤسف أنَّنا بتنا نلتقي بالكثير من الفضوليين في حياتنا، دائمًا يبحثُون عنك، يسألون عن أدق تفاصيل معيشتك، محطِّمين -من طرف واحد- جدار الخصوصية بيننا وبينهم، يسألونك: من أين لك هذا؟ وكيف حصل هذا؟ ولماذا أنت بالتحديد...؟ أعطُوا أنفسهم الحقَّ في التدخل أو البحث عن إجابات لأسئلة عن غيرهم لا تدُور إلا في خُلدهم، فتتفاجأ أن يأتي إليك أحدهم ويقول: فلان الفلاني يسأل عنك، وأين تعمل؟ وهل عملك هذا مجدٍ؟ وكم تجني منه؟ فما تجد بُدًّا إلا أن تُمعِن التفكير في أسباب ذلك الفضول لدى هؤلاء.
في كثير من الأحيان، نحتاج لأنْ نَجِد من يهتم لأمرنا ولكن في الحدود المعقولة، وبالتفاصيل التي نراها مُناسبة لا بالطريقة المُزعِجة غير المرحَّب بها.. إنَّ أمثالَ هؤلاء الفضوليين بحاجة لأن يفرِّقوا دائمًا بين ما يحق لهم التدخل فيه أو الحديث عنه أو البحث عن إجابات له، وبين ما لا يحق لهم؛ باعتباره ضمن دائرة الشؤون الخاصة للآخر، وأقول لكل فضُولي: لا تتدخَّل فيما لا يعنيك، ودع الآخرين يعيشون حياتهم بكل راحة واطمئنان.
لا أستهدف بهذه الكلمات صدَّ الناس عن بناء علاقات طيبة وودودة فيما بينهم، أو يكف الناس عن السؤال عن أحوال من يحِبُّون ومن يهتمون لأمرهم، لكنَّني أطلب منهم أنْ يفعلوا ذلك بطريقة ملائمة لا تَجرَح الآخر، ولا تقتحم خصُوصيته؛ فثمَّة شعرة رقيقة بين الاهتمام والفضول، بين الاطمئنان والرغبة في التدخُّل في شؤون الآخر، بين الاحتواء والاستحواذ على الآخر لمجرد أنه وثق في صداقتك.