لغة التصريحات بين الاحتواء وإثارة الاستهجان

سالم كشوب

sbkashooop@gmail.com

 

مِمَّا لاشك فيه أنَّ الظروفَ تغيَّرت عن السابق، وبالتالي من المفترض أن تتغيَّر لغة الحوار والطرح والنقاش، خاصة نَمَط وأسلوب تصريحات المسؤولين، لا سيما في القضايا والأمور التي تهمُّ المجتمع؛ فالظروف والأجواء التي كانت قبل عشر سنوات ليست هي الموجودة الآن، وفي خضم المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة، من المفترض أن يكون المسؤول على قدر كبير من الاحترافية والحرص على اللغة المستخدمة في الحوار مع مُستمع الحوار، فنحن نعيش الآن عصرَ وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة، وجيل من الشباب لديه من الوعي والإدراك ما يجعله أحيانا لا يتقبل نمطَ التعالي، أو عدم الشفافية وإظهار الاهتمام بالطرف الآخر، وإلقاء اللوم عليه، وتحميله فقط المسؤولية. وهنا، لا نُعمِّم على كافة المسؤولين، ولكن البعض للأسف رُبما بحماسه الزائد قد يكون لتصريح مُعيَّن سببًا لإثارة الكثير من البلبلة والسخط في أوساط الرأي العام، خاصة عِندما يكون عن موضوع يهمُّ شريحة كبيرة من المجتمع، وفي ظرف ووقت ينتظر منه الرأي العام احتواء للموقف وليس إثارته بشكل غير مُبرَّر، وبدلا من إعطاء مساحة من الثقة والاستماع لمختلف الأطراف، والنقاش بشكل هادئ وشفافية قد يتولَّد نوع من عدم الثقة والخوف من سلبيات قد تكون غير موجودة بالأساس، وإنما نتيجة عكسية لتصريح يفتقد للمهنية والاحترافية.

وبالتالي؛ من الأهمية بمكان إيجاد جِسر من الثقة والتواصل المباشر بين المسؤول والمجتمع في مختلف القضايا التي تهمُّه، والحرص على أنْ يكون الإعلام شريكًا فاعلا ومؤثرًا في هذا الجانب؛ من خلال أولا: فهم مختلف الجهات لدور ومسؤولية الإعلام، ومنحه المساحة والصلاحية الكافية للقيام بأدواره ووظائفه الحقيقية دون تقييد، إضافة إلى إشعار العاملين في الإعلام بمختلف الجهات أنهم شُركاء معهم في التنمية ووسيلة مهمة لنقل تطلعات وشكاوى ومرئيات المجتمع، والقيام بدورهم التوعوي والتثقيفي الذي من خلاله يُسهم في توضيح العديد من القضايا وخطط العمل والبرامج المنفذه والأهداف المرجوة في التوقيت والظرف الملائم، وليس كردة فعل نتيجة ظهور تذمُّر من تكرار مشكلة ما أو مُطالبة بحل قضية تمس الرأي العام. النقطة الأخرى المهمة هي: لغة التصريحات من قبل المسؤول؛ فليس المطلوب عدم الشفافية أو المماطلة في الوعود التي رُبما قد لا تنفَّذ، وإنما المطلوب لغة تتَّسم باحتواء الطرف الآخر، وأنه هدف الخطط والبرامج التي تنفذها الجهات المختلفة وشريك فاعل ومؤثر بشكل يُشعِر الرأي العام أنَّ هناك حرصًا على بَذل مُختلف الجهود الممكنة، والاعتراف في حال وجود أخطاء أو مشاكل؛ فأحيانا لُغة التعالي عن الاعتراف بالخطأ يُولد شعورًا بعدم الجدية أو الاهتمام بمشاعر وآمال الرأي العام، الذي بالأساس كل الخدمات والجهات الموجودة أُقيمت لخدمته، وتوفير كافة المستلزمات والاحتياجات الضرورية وفق الضوابط والإجراءات المعمول بها.

ومن الأهمية بمكان أن تقُوم الجهات المعنية بإلزام مُختلف الجهات بتفعيل مواقع التواصل الخاصة بها، والتفاعل مع مختلف المواضيع التي تقع ضمن اختصاصات كل جهة، وإيجاد مِسَاحة من الحرية والتواصل الفعَّال دون وجود وسطاء أو عوائق تحول دون هذا التواصل المباشر بين مُتلقِّي الخدمة ومُقدِّمها؛ فأحيانًا فقط إشعار الطرف الآخر أنه مُهم، وكل ما يطرحه يتم الاهتمام به ودراسته، له التأثير الإيجابي في الثقة بالجهة، والمسؤول عن برامج وسياسات تلك الجهة، إضافة إلى أهميَّة التأهيل والتدريب لمُختلف المسؤولين فيما يتعلَّق بالمقابلات ولغة التصريحات المستخدمة؛ حيث للأسف أحيانا نرى تواجدَ شخص أو شخصين يتحدَّثان بشكل مُستمر عن جهة معينة، ومن المفترض تأهيل وإعداد أكثر من طرف يُمثل جهة معينة، ومن خلال الجهات الرسمية المعنية في التأهيل الإعلامي للمعنيين من مختلف الجهات في المقابلات واللقاءات التي يتمُّ عملها.

وختاما.. نتمنَّى أن نرىَ تفاعلًا وحوارًا بَيْن المسؤول والرأي العام، يتسم بالثقة المتبادلة وقبول الرأي والرأي الآخر بكلِّ شفافية، والابتعاد عن لُغة التعالي والمُكابرة في الاعتراف بوجود إخفاق أو خطأ، والأهم من ذلك الحوار والنقاش بكلِّ احترام، بعيدا عن أسلوب الشخصنة أو تحميل المسؤوليَّة لطرف دون آخر؛ فأحيانا تصريح مُبهم أو به نوع من المُكابرة قد يهدم سنوات من الثقة والآمال المعقودة على جهة ما، إضافة إلى عدم التسرُّع في الحكم على مسؤول لم يكمل أسابيعه الأولى في إدارة جهة، ومُطالبته بأحداث التغيُّر الإيجابي المُنتظر في ظرف وجيز.

-----------------------------

"اذا أردت أن تعرف أخلاق رجل، فضع في يده السلطة، ثم انظر كيف يتصرف" - ألبرتو مورافيا