إسماعيل بن شهاب البلوشي
للسكون الذي يسيطر على الإنسان في لحظات ومراحل من عمره من شبكِ الأصابع وسكنات كل شيء عدا حركة العيون باتجاهاتٍ مختلفة دون أمر معلوم أومسيطر عليه من فكره وتوجيهه، هي تلك اللحظات التي سيستسلم لها والعجز عن فعل أي شيء، أما أسبابها فكثيرة ومتنوعة، وفي هذه العجالة لعلي أُبين من تلك الأسباب شيئا من واقع الأمة، وإن حددتُ أكثر في البيت الخليجي؛ البيت العريق، الذي شكلت معالمه مراحل من عمر الزمن بقائظ حره وقلة ما فيه تارة، وكثرة ما فيه تارةً أخرى، برّد الأعداء عنه حيناً، والتمتع برماله وشواطئه حيناً آخر، بأهله الذين جمعت بينهم سمة الجمال في كرمهم وشدتهم ولينهم بلكنة الصوت الذي لا ينطق به غيرهم.
بذلك التناغم الجميل بين أمهاتنا ونساءنا، بذلك البرقع كحد السيف المسلول، وتلك الملاءة الشريفة التي تضعها على يدها عندما تصافح بأخرى، ولا تتردد من ذلك واثقة ثقة الشريف المتعالي بذلك الشرف. أهل الخليج الذين جمع بينهم حب الخيل والأبل والبر والبحر والجبال والنخل، هم البدوالذين انطلقت من بيتهم الراقد على سديم الصحراء، كل معاني الفخر والاعتزاز بالنفس؛ أهل الخليج الذين يذبحون الشاة لضيفهم، وهي الأخيرة التي يرضعون منها وليدهم، متوكلون على الله العلي القدير الذي لم يخذلهم يوماً.
أهل الخليج.. أهل الكلمة والقافية والمثل العليا.. أهل الخليج الذين من جزيرتهم أنار الإسلام الكون وكتب لحضارة إسلامية عظيمة أن تكون مرجعاً وخلاصاً لثوابت الأمم بأسرها. أهل الخليج.. ذلك النسيج المترابط من البيت الكبير الذي لم نعرف له حدودًا إلا اليوم تماشياً مع قوانين العالم. أهل الخليج.. الذين لا ينامون وإن كان أحدهم قد أصيب بأمرٍ إلا بعد أن يقتسمون التمرةَ بينهم أويدفعون العرق والدم لنصرة بعضهم. أهل الخليج الذين يتساءلون أي ثمن؟ أي سبب؟ أي حال أومآلٍ؟!
أوما أعطت الدنيا وما فيها أن لا يجعل القلوب في محبة وقوةٍ وأخوّةٍ، أنا واحد ممن يعلم الكثير من المفارقات في السياسة واختلاف وجهات النظر، غير أني أعلم أكثر أن الخليج له خصوصية بسببها صمد هذا العمر من الزمن.. أنا واحد من الذين يدركون أن قادتنا وآباءنا وسادتنا قادة الخليج جميعاً- حفظهم الله- لم يكونوا يوماً قادةً كما نرى واقع الحياة اليوم، بل إني أعلم أنهم باتوا جياعاً لتهنأ شعوبهم، لم يقولوا لشعوبهم اذهبوا فقاتلوا؛ بل كانوا هم الواجهة وحملوا السيف وركبوا الجياد وعاشوا رعاة فخرٍ وعزٍ، وإلى يومنا هذا- حفظهم الله- وتسلسل إليهم الحكم أباً عن جد ونجح بهم الخليج أن يكون أفضل الأمم، والحمدلله، غير أني ما تصورته في هيئة الإنسان المتوقف عن الفكر هوأنا ذلك الإنسان الذي يقول لقادته- حفظهم الله- يجب أن لا تصل رسالة الاختلاف إلى شعوب الخليج والى الأجيال القادمة، يجب أن لا تصل في فتل ذلك النسيج الرائع الذي صنعته أناملَ محبة للواقع والحياة والتاريخ والحضارة، سادتي، فهل لذلك الشعور من أهل الخليج الخانة الأكبر في مراعاة مشاعرهم وأُخوّتهم وأبناء عمومتهم وأن يكون لذلك فصلاً من فصول القرار الذي يجب أن ينظر إليه بعنايةٍ أكبر من مصالح السياسة والاختلاف في الرأي.
لا يقول لي أحد إنها عاطفة محب، بل معرفة كبيرة وواضحة وقناعة بأننا جميعاً مهما امتلكنا من سبل الحياة فهي متغيرة فانية، وفصل الحياة لا بد من عودته يوماً وعلينا أن نعلم جميعاً أن بقاءنا وثراءنا ورخاءنا يكمن في وحدتنا، في عزتنا، في بُعد الأعداء ومصالحهم عنا، وكذلك في اقتسام ما نملك بكل أخوّة ومحبةٍ، وبكل صدقٍ وأمانة.. فهل تكون رسالتي بعنواني الذي كتبت إلى روح الأمير صباح الأحمد- طيب الله ثراه- الذي لم أرَ ملهوفاً محباً خيّراً مثله، قرأت أمنيته الأخيرة من عمره وهي أن يكون البيت الخليجي كما كان، هل إلى روحه الطاهرة ومن أجلها وفاءاً وحباً نتجاوز عن الكثير بين مبعد للربح والخسارة بين الأهل؟ فهل نخرج نحن شعوب الخليج في كل مناسبة نحمل صور قادتنا جميعاً ودون استثناء محبة وفرحة وكبراً بهم بين الأمم؟!
أما ومن وطني عُمان وكما سمى أمير الإنسانية- رحمة الله عليه- واحداً من طرق الكويت الحبيبة باسم المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نأمل أن يُسمى ذلك الساحل المقابل للشويمية الذي خَطْتهُ أقدامه مُحبة للماء والرمل والمجتمع الذي كان وكأنه واحداً منه بكل تواضعٍ ومحبة "ساحل الأمير صباح الأحمد" طيب الله ثراه وغفرله ورحمه وجعل مرقده الجنة.