التاريخ.. وعلم الاجتماع

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"المُجتمع الذي ينكر وجود مرضٍ فيه هو كالمسلول الذي ينخرُ المرضُ في رئتهِ وهو يأبى أن يستمع إلى ما ينصحه به الطَّبيب"، علي الوردي.

لو تمعنَّا في قراءة التاريخ لوجدنا الحاجة الملحة لدراسة علم الاجتماع بأقسامه المختلفة، كذلك علينا أن نتعامل مع الظواهر الإنسانية والأحداث الزمنية بمنظور تحليلي دقيق لإبراز المتغيرات المؤثرة في تبيان الصورة العامة للحدث وبنيته الأساسية لاستخلاص العبر واستخراج الحقائق لتحليلها وفق سياق علم يرتبط ويوازن المتاخم من الأحداث القريبة والموازي من الأحداث البعيدة زمنياً حتى تظهر نتيجة الحاسبة الفكرية والتاريخية وفق المحدد من الأفكار المدروسة.

بالنظر للأحداث الجارية في وقتنا الحاضر وما جرى في الماضي القريب ومانستشرفه للمستقبل نجد عدة ظواهر تستدعي وتحتاج للدراسة بتمعن ودقة لتأثيرها وتأثرها اجتماعياً وثقافياً وسياسياً على الإنسان البسيط قبل كبار القوم.

العنصرية، والتفاوت الاجتماعي، والاختلاف الثقافي (لا أقصد التنوع الثقافي)؛ كلها ظواهر لا يُمكن المرور عليها مرور الكرام، بل بعض الظواهر قد تكون أشبه بالقنبلة الموقوتة، انظر ماحدث في رواندا بين قبيلتي التوتسي والهوتو والمذابح المروعة والحقد بين مكونات المجتمع الواحد، لم يأت ذلك مُصادفة بل لابد من أرضية خصبة نبت عليها، وتراكمات أدت لما وصل إليه الوضع هناك، وعندما رميت جميع التراكمات وتسيد القانون الوضع العام، تغيَّرت الأوضاع وأثمرت ما أثمرت، حتى أصبحت رواندا هذه الدولة الصغيرة إحدى أهم قصص النجاح في القارة السوداء.

وأهم إجراء لمُحاربة هذه الآفات المُدمرة للمجتمعات هو سن القوانين وتطبيقها على الناس سواسية، كأسنان المشط، عندما يشعر الجميع بألا حصانة لأحد ولا فوقية لأحد على آخر، بل ما يفصل في ذلك هو القانون والنظم واللوائح العادلة، وقتذاك يشعر الإنسان بما له وماعليه.

ففي سوريا حماها الله وحفظها من أهلها قبل غيرهم، ما الذي جرى أوائل الأمر؟ لقد جرت مُحاولات خبيثة (للأسف نجحت!) في تحويل أهل البلاد إلى عرقيات مختلفة وأديان ومذاهب، حتى كره السوري أخاه السوري، وسط نفخ مقرف للطائفية حتى أصبحت الدماء تملأ الخزانات السورية، وأصبح الدم السوري من أرخص الدماء، وأصبحت هذه البلاد الجميلة وأهلها الرائعون ملاذا لكل خارج عن القانون والإنسانية حتى انتشر الدمار، وعمَّ الخراب!

يقول ابن خلدون: "عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والأفاقون والمتفقهون والانتهازيون وتعم الإشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر"، ما لم يقله ابن خلدون في هذه العبارة الصادقة هو أنَّ بداية انهيار الدول تتم عبر تقريب العدو وإبعاد الصديق المخلص، وزرع الضغينة بين أفراد المجتمع الواحد، وجعل كل إنسان يلتفت إلى عرقه وأصله، ويبدأ استخدام رجال الدين والقضاء في غير الصالح العام، وتكريم النطيحة والمتردية، وتهميش العُلماء وأهل الرأي.

كل ما سلف احتاج ويحتاج دراسات وأبحاث عميقة تهدي السالكين للطريق القويم، وتضيء دروب الحقيقة أمام الباحثين والدارسين، وهنا تقع المسؤولية العظمى على دولنا بالاهتمام بالدراسات ذات الشأن والصلة بعلم الاجتماع والتاريخ، لتقييم المجتمع والظواهر الاجتماعية والأخلاقية والتغيرات الثقافية حتى نستلهم من الماضي ماينفع حاضرنا ومايحفظ مُستقبلنا من أجل مسيرة ظافرة ومستقبل آمن وزاهر.