الحد الأدنى للأجور.. وسياسة تعقيد الأزمة

إبراهيم بن سالم الهادي

أصبحنا لا نَدري لِمَ كل هذا الجدل الذي بات يترافق مع أي تصريح أو قرار يتعلق بالعمل في بلادنا؛ سواءً للباحثين عنه، أو من هم على رأسه، حتى بدأ يتسلل للنفس قناعة- عسى أن تكون خاطئة- بأنَّ الموضوع يتَّجه نحو التعقيد أكثر منه إلى الحل، آخرها قرار إلغاء الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، الذي لاقى ردود أفعال بين رافض ومُؤيد وقد يتفهم المتعمقون في النظر للموضوع من زاوية واحدة أنَّ مثل هذا القرار يُحاول تحفيز هذا القطاع لجذب أكبر عدد من الخريجين دون أن يُرهق ميزانية شركاته، ولكن الطريقة التي تمَّ تقديم القرار بها للرأي العام كانت هي الجدل بعينه.

وبدا "أدرينالين الانفرادية" مُرتفعًا جدًّا في اتخاذ هذا القرار، فقد خلا تمامًا من أية مُحفِّزات للشباب الخريجين والباحثين عن عمل- الذين هم أساسًا المستهدفون منه، وكما يبدو أنه لم يستند حتى لدراسة اكتوارية أو دراسة ذكية تقود نتائجها لقرار يصب في صالح منظومة العمل والاقتصاد الوطني بشكل مُباشر ودون ضجيج .

القرار صَدَر نَعَم، ولكن مُراجعته وتعديله والإضافة عليه والحذف منه تبقى كلها أدوات مشرُوع استخدامها لامتصاص حالة الجدل الحالية، والأهم تحقيق عملي منهجي لمبدأ التشاركية الجادة والفعَّالة في اتخاذ القرار التي تُعنون بها المرحلة الحالية من عُمر نهضتنا المُتجددة. لذلك ومن باب الأمانة والنُّصح الواجب، أسوق 4 تساؤلات و3 مُقترحات نتمنى أن تؤخذ في حسبان مسؤولينا في وزارة العمل والجهات المعنية الأخرى، لتدارسها والخروج بصيغة مناسبة أكثر يُمكن معها تمرير وتقبُّل مثل هذا القرار الفاصل.

  1. لماذا لم يشتمل القرار على أن يكون هناك عقد بين المؤسسة المُشغِّلة وهذا العامل الذي سيحصل على راتب 325 ريالاً، شريطة أن تكون الزيادة فيه 17% سنوياً لمدة خمس سنوات، وبعدها يحق للطرفين (المؤسسة والعامل) فسخ العقد إن لم يتوافقا في الإنتاج، على أن تُلزم المُؤسسة بتقديم مبررات حقيقية تعطيها حق فسخ العقد؟
  2. نقترح بعد مدة الخمس سنوات المشار إليها في التساؤل الأول أن تُلغى نسبة الزيادة الـ17% قانوناً لا شرطاً، وتتحول تلقائيًّا إلى 3% حسب المعمول به حالياً.
  3. لماذا لم يتضمن القرار إلزامًا بوضع لوائح وأنظمة تضمن من خلالها المؤسسة أن يكون العمل مقابل الإنتاج، على أن تتكفل المؤسسة بتدريب وتأهيل العامل لتعزيز قدراته وإنتاجيته في العمل؟
  4. نقترح أن تُعطى المؤسسة التي تُحقق نسب تعمين عالية جُملة من الحوافز كالإعفاء من الضرائب المُتعلقة بالتشغيل أو غيرها من الإعفاءات الضريبية المُحفزة.
  5. لماذا حتى هذه اللحظة لم يتم إدراج نسب التعمين كشرط ملزم وأساسي في إسناد المناقصات؛ بمعنى أنَّ أيِّ مؤسسة لديها نسب تعمين عالية ولديها قدرات عالية في عمل المشاريع، تُعطى الأولوية في المناقصات، على أن يكون هذا البند هو الشرط الأول لدخول المناقصات؟
  6. نقترح إلغاء نظام دوائر التفتيش وإصدار المأذونيات، واستبدالها بدوائر أخرى أكثر شفافية وذات نظام لا يُتيح تمرير استثناءات دون مُبررات، على أن تكون العقوبة مُغلظة للمتجاوزين.
  7. أليست الحاجة مُلحَّة اليوم لرفع شرط التعمين على المؤسسات؛ بحيث يكون أكثر نسبة حتى نضمن توظيفاً حقيقياً لأبنائنا، ووقفاً لنزيف رؤوس الأموال المحولة للخارج؟ ألم ندرك بعد حاجتنا لنظام مجدول تضعه وزارة العمل لتحقيق مؤشر تصاعدي في التعمين؟ بمعنى أنه كلما حققت المؤسسة نسبة تعمين أكثر تقدم لها حوافز وفق مؤشر التعمين التصاعدي سواء من خلال دعمها بالقروض أو من خلال الإعفاءات الضريبية أو غيرها من أوجه الدعم المُباشرة أو غير المباشرة.

إنَّ هذه التساؤلات والمُقترحات التي طرحتها في هذا المقال يُمكن دراستها وتطويرها، وربطها بنظام موحد يجمع جميع المؤسسات المسجلة في وزارة العمل، ويُمكن الاستعانة في ذلك أيضًا بالتقنيات الحديثة لتسهيل المُراقبة كإظهار المؤشرات الملونة بالأخضر والأحمر مثلاً كمقياس لسير عمل المؤسسة؛ من خلال المراقبة التي تربط أجور العُمانيين والوافدين في المؤسسات؛ بحيث يمكن المقارنة والتقييم إن كانت هناك مؤسسات صادقة تخدم الوطن أو مؤسسات وُضِعت لـ"شفط رؤوس أموال الوطن وتحويلها إلى الخارج".. تساؤلات عديدة لا زالت تبحث عن إجابات مقنعة، أكثر من كونها مجرد إجابات فقط.