حَدٌ أدنى بِحَدٍ أدنى‎

 

أنيسة الهوتية

لربما لوزارة العمل في قرار الحد الأدنى للرواتب وجهة نظر لا يراها المُواطن، فبالتالي يبقى غير راضٍ عنه، والقرار سيُعَملُ بهِ من الوزارة وإن استشاط غيظا جموع المواطنين والباحثين خاصة خريجي الدراسات العُليا المنتظرين للتوظيف منذ أعوام عديدة! ولا زلت أفكر في ما إذا كان قرار الحد الأدنى السابق يخدم المواطن فلماذا "تكدست" أعداد الخريجين الباحثين عن عمل منذ الأعوام الستة الماضية!؟

أما المُواطن الباحث فكان مُحبطاً سابقاً وزاد إحباطه لأنَّ القرار أتى في وقتٍ كانت توقعاته وتفاؤلاته "تضرب السقف" فوق حد الواقع الذي يعيشه! ومن زاوية محايدة نرى أنّ كِلاهما معهما حق من موقعهما، كمن ينظر إلى مثلث مرسوم على الأرض بدون قاعدة، فمن يقف عند الزاويتين يرى بأنها ثمانية، ومن يقف عند الرأس يرى بأنها سبعة!

إذاً، الموضوع يحتاج توضيح للمحكوم عليه مع تبديل المواقع للتفهم حتى لايأتي العائد منها سلبياً على الوطن والمواطن، والقضية ليست مجرد خلاف على الراتب المعيشي بل هو حكم صادر على الكفاح العلمي لشباب عُمان الأكاديميين الذين هم مستقبل وعِماد الوطن.

والتبرير معقول بأنَّ هذه وسيلة لتحريك الكَم الكبير للباحثين عن العمل غير المستوعبين من قبل المؤسسات للتوظيف بحجة الحد الأدنى للرواتب حسب مُؤهلاتهم الدراسية، فالخريجون الأكاديميون غير مرغوب فيهم لأنهم ليسوا ذوي خبرة في المجال العملي! فبالتالي تلك المؤسسات لا تريد توظيف مبتدئ براتب كبير، ولكنها كذلك مضطرة للتعمين! وللاضطرار أغلبها وظفت بعقد قانوني وعقد داخلي غير قانوني يجبر فيها الموظف المحتاج لتلك الوظيفة على قبول راتب أقل برضاه وتكون سلاحاً ضده!

إذاً لجعل هؤلاء الباحثين مقبولين للتوظيف تم تقليل الحد الأدنى! وأرى أن القانون أتى مائلاً لمُعالجة أزمة المؤسسات قبل المواطن وحمايتها من الوقوع في براثن العقود اللاقانونية لأجل التعمين! نعلم أن الاستثمارات مهم وجودها في الوطن لعمانيين كانوا أم أجانب، ولكن المُواطن الأكاديمي يجب تصنيفه بامتياز على كفاحه العلمي! وكان من الممكن العلاج بإصدار قانون التدريب العملي الإجباري للخريجين، لسنة كاملة براتب ضئيل، وبعد إكماله لمدته وتقييم أدائه الوظيفي، يحصل على راتب مكافئ لخبرته وشهادته الأكاديمية، وكلا الطرفين سينتفعان من بعضهما البعض فلا ضرر ولا ضرار.

وفي قانون الفيزياء لكل ضربة ارتداد، وفي الفيزياء البشري لكل تصرف ردة فعل، وأخشى أنَّ ردة فعل الأجيال القادمة ستكون بعدم رغبتهم في إكمال دراساتهم العُليا لقناعتهم بأنَّ ذلك لن ينفعهم مهنيا! وصدقاً علينا الاعتراف بأنَّ الأغلب يَدرُس ويُشَجِع أبناءه على الدراسات العُليا لأجل الانتفاع المادي والمهني وليس للعلم والثقافة فالأخيران يُمكن كسبهما بدون الدراسة الأكاديمية الرسمية!

ولسنا كبعض الأقوام السابقة التي همشت العلم، وعَمِلَت في الكثير من المِهن التي تَدُرُ عليهم المال السخي فاكتفت بذلك، وما كان العلم عندهم إلا هوساً لقلةٍ قليلة مِنهم تمَّ وصفهم بالفاشلين اجتماعياً ومادياً!

أما منطقياً فيجب أن تكون هناك بنود مضافة لهذا القانون، مِنها: تأكيد حصول الموظف ذي الشهادة الأكاديمية بعد خبرة عملية مقدرة على ترقية، وأن تكون نسبة الزيادة السنوية للأكاديمي أكثر من 3% في سنوات العمل الأولى إلى أن يصل إلى سقف مُعين، مع تعمين الوظائف العُليا في المؤسسات والأولوية لذوي الخبرة من ذات المؤسسة، وكذلك جَواز العمل للطلاب الحاصلين على منح دراسية حكومية والسماح بالدراسة المسائية، ورفع نسبة التعمين بالمؤسسات للحصول على مأذونيات، ومُقابلة الحد الأدنى للراتب بحد أدنى لساعات العمل وما يزيد يستحق عليها "أوفرتايم" أو عملاً إضافياً، والأهم تشجيع الأجيال القادمة على تلقي العِلم وإن كان لمالٍ وجاهٍ ودُنيا، فالعلمُ نورٌ..