علي بن سالم كفيتان
مثّل لقاء حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- أيده الله- بعدد من مشايخ ظفار هذا الأسبوع انطلاقة مهمة لمنظومة الحكم المحلي في السلطنة؛ فهو اللقاء الرسمي الأوَّل لجلالته مع عدد من المشايخ؛ حيث تشرفت ظفار بهذا التكريم السامي، ولاشك أنَّ لهذه اللفتة الكريمة مدلولات عميقة يقدرها أبناء محافظة ظفار خاصة، وجميع أبناء السلطنة عامة.
فمن خلال اللقاء بعث جلالة السُّلطان رسالة حب ومودة وارتسمت الابتسامة العريضة على محيا جلالته- أبقاه الله- ولعل المراقب للحدث يرى في الحضور المقنن والمنظم بداية لتأطير وهيكلة منظومة الشيوخ في السلطنة ضمن نظام المحافظات والشؤون البلدية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/ 2020 تحت الفصل الثالث المتضمن إنشاء مجلس شؤون المحافظات.
سيكون نظام مجلس شؤون المحافظات المرتقب صدوره من قبل وزير الداخلية (رئيس المجلس) الأساس للعمل خارج نطاق المركزية بعد أن كفل النظام الشخصية الاعتبارية للمحافظات ومنحها صلاحيات مالية مُستقلة من خلال استثمار مقوماتها وعوائد أموالها والحصول على نسبة من رسومها البلدية والخدمات التي تقدمها للغير وقبول الهبات والإعانات والمنح، إضافة للاعتمادات المالية التي تخصص لها من الميزانية العامة للدولة وهذا بلا شك سيمنح فرصة نادرة لاكتشاف قدرات المحافظين على إيجاد البدائل عبر توظيف نقاط القوة في كل محافظة وتحويلها لمكاسب حقيقية تصب في صالح الوطن المواطن، فهل المحافظون مستعدون لذلك؟
برهنت الأيام أنَّ السلطات المحلية المنتخبة في السلطنة ظلت رهينة الهيمنة القبلية وهذا ليس عيباً أو منقصة، لكن هذا الموقف ألقى بظلاله الواسعة على هذه التجارب؛ فرغم مرور السنوات ظلت تحبوا وتبحث عن منافذ في إطار النظرة الضيقة التي أفرزتها للوجود، فكما يقولون "فاقد الشيء لا يُعطيه". وحسب نظام المُحافظات والشؤون البلدية فهو المعني بتطوير تلك التجارب والبحث عن حلول تخرجنا من ذلك الموقف وصولاً للاختيار الحُر غير المُقيد الذي يدفع بالكفاءات مهما كان انتماؤها وإعادة تنظيم المُؤسسة العشائرية عبر إتاحة مساحات أخرى تستطيع من خلالها مُمارسة سننها وأعرافها.
وكما يُقال إنَّ "الإنسان عدو ما يجهل"، لذلك تجد الكل مُتمسك بما هو موجود وكأنَّ الحياة قد توقفت في ذلك الزمن، فمن حق السلطات تغيير النظرة وإعادة التصورات وفق المُعطيات الجديدة، وضمن ذلك هيكلة النظام القبلي وتحديثه؛ بحيث يُصبح متماشياً مع ضرورات المرحلة. فقد لاحظ الكثير من المُتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي الحديث الذي دار عن مستوى تمثيل المشايخ في محافظة ظفار خلال مُقابلتهم الأخيرة لصاحب الجلالة بحيث أصبح الصراع من أجل التمثيل هو الطاغي على حساب أهمية الحدث وما سوف يُطرح فيه من رؤى وتطلعات للمُستقبل. ومن هنا تأتي أهمية إعادة النظر لهذه المؤسسة (القبيلة) التي وردت في عدة بنود بالفصل الخامس في نظام المحافظات من حيث مُتابعة شؤون القبائل وحل المنازعات والالتقاء بالشيوخ والرشداء والإشراف على تطبيق السنن والأعراف المتبعة.. كل ذلك يقود إلى أهمية تنظيم هذا المؤسسة العتيقة، وعدم تركها للصدف، ومن ثمَّ معالجة تداعيتها بأساليب غير حضارية.
ولكي نكون صادقين فإنَّ معظم الشيوخ والرشداء كانوا من ثمار النهضة المباركة، مثل كل المؤسسات الأخرى؛ فمنهم من برز وأثبت وجوده وقام على خدمة المواطنين والإخلاص للحكومة، ومنهم من انضم للقافلة عبر عدة أبواب، وهناك من يندب حظه ولا هم له إلا التذكير بتاريخ أبيه وجده، ولا يملك موقفاً واحدا لصالح أهله أو حتى حكومته، فتسرب الترهل وسادت الأنانية، مما يستوجب ترشيق هذه المؤسسة أسوة ببقية مؤسسات الدولة التي طالتها يد التجديد؛ بحيث يتم اقتراح حلول مُناسبة تحد من الفوضى التي باتت تسيطر على هذه الفئة وتجعل العديد منهم مصدر إرباك عبر اختلاق الإشكاليات في الداخل القبلي، ومن ثمَّ السعي لحلها مع السلطات لتبيان أهميتهم!
وفي هذا الإطار نقترح على مجلس المحافظات المرتقب إجراء مُراجعة شاملة، بحيث يتم إنشاء مجلس للشيوخ في كل مُحافظة ينتخب من قبل العامة أو حتى من قبل الشيوخ أنفسهم وتكون له مدة مُعينة فيصبح هو المخول بحضور المقابلات وتمثيل المجتمع القبلي في أي مُحافظة أمام السلطات، وهذا الإجراء قد يمنح مجلس الشورى والمجالس البلدية بعض الاستقلالية في الاختيار، عندما يُمارس المجتمع القبلي حريته من خلال مؤسسته.