بلاد الشهوم بولاية عبري.. الإنسان والتاريخ والطبيعة

...
...
...
...
...
...
...
...

الرؤية – ناصر العبري

بموقعها الاستراتيجي الرابط بين ثلاث محافظات عمانية هي الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة تتخذ بلاد الشهوم من ولاية عبري بمحافظة الظاهرة مكانتها الجغرافية المتميزة والتي جعلت منها حلقة وصل مهمة بين محافظات السلطنة الثلاث وهي تتوشح بمعالم تاريخية شاهدة على عراقة إنسانها ومكانتها التاريخية عبر العصور القديمة، فقد عرف عن أهلها كرم أهلها وشجاعتهم وصدقهم وإخلاصهم وأمانتهم وتضحيتهم ونصرتهم وتعاونهم وألفتهم وإحسانهم وطيبتهم وعدلهم وحيائهم وهي رصيد من قيمهم الأخلاقية العالية الرفيعة التي لا تنضب أبدا. زهت بلاد الشهوم ومنذ الوهلة الأولى بعد تولي جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور - رحمه الله ـ مقاليد الحكم في البلاد عام 1970 بمنجزات النهضة المباركة من صحة وتعليم وخدمات وبنى أساسية دفعت بالمستويات المعيشية للمواطنين إلى مستويات أفضل ".

الأبراج الاستطلاعية:

تبرز على قمم بلاد الشهوم معالم تاريخية شيدتها قوى السواعد الذهبية للأجداد والآباء مستخدمة في بنائها مادتي الصاروج والطين والحجر وهي أبراج استطلاعية اتسمت بقوتها وصلابتها وتماسكها وحجمها وهندستها المعمارية الأصيلة وهي: القرين، القسم، الغول، النجيدة، العقير، البدعة، الرميلة) لتكون سدا منيعا في وجه الغزاة ومراقبة الداخل إليها والخارج منها حماية لهم ولأطفالهم من أية تهديدات قد تعكر صفو حياتهم ومعيشتهم حيث كانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بين هذه الأبراج جميعها هي عدد من الطلقات النارية في الهواء تعارف عليها الأجداد والآباء آنذاك كرموز سرية لتناقل الأخبار والمستجدات فيما بينهم.

الحصون التاريخية:

من يسبر التاريخ في بلاد الشهوم يجد أنها تستحق فعلاً بأن تكون محط أنظار الباحثين في الشأن التاريخي العماني، فهي تتفرد بوجود حصنين عريقين يعود بناؤهما إلى القرن السابع عشر خلال فترة حكم النباهنة لعمان، الأول ويسمى حصن ريمي وهو يطل على واحات النخيل ويقع فوق هضبة تشرف على وادي ريمي من جهة الداخل ويتميز بأبراجه الاثنين الرئيسيين هما الريح والغربي ويتكون من ثلاثة أدوار رئيسية (طوابق) اندثرت بفعل عوامل الرياح والأمطار وعدم ترميمها، كما يوجد به عدد من الغرف والمجالس الخاصة بالرجال منها والنساء إضافة إلى بئر ماء للشرب وحوض للسباحة والغسيل، وعرف الحصن آنذاك بسجنه الذي بناه الأجداد ضمن حرمه يودع فيه من يخل بالشرف والأمانة وهو ما يؤكد حقيقة عدل الشهوم ومساواتهم بين الناس لضمان حقوقهم، أما الحصن الثاني فيسمى حصن بلاد الشهوم أو كما يعرف حالياً بالصباح أو الحجرة حيث يقع وسط البلدة بالنفس كحصن دفاعي يحتمي به الأهالي وعائلاتهم من خطر يهدد حياتهم، كما استخدم أيضا كمقر رئيسي لإدارة شؤون الناس في تلك الفترة وساحة لإحقاق الحق ومحاسبة المذنب، ويوجد بالحصن غرف تحصينيه ومجالس للرجال والنساء ومناضد ومخازن لتخزين التمور والقمح وغرفة كبيرة لطهي الطعام عرفت باسم (المهرسة) وبه بئر ماء للشرب والاستحمام والغسيل ويروي الآباء الحاليون ممن عاصروا نهايات تلك الفترة بأن أسفل الحصن كانت توجد هناك مجموعة من النخيل كانت تسقى بماء البئر نفسه ويوجد ويتميز الحصن بابه الكبير المعروف بباب الصباح وهو المدخل الرئيسي للحصن الشاهد على ذاته حتى اليوم كما يوجد به باب آخر يسمى باب المال ويقع مقابل واحات النخيل المحاذية لوادي الرحبة وقيل على لسان الكثيرين من كبار السن بالبلدة بأن نسائهم وأطفالهم كانوا يستخدمون هذا الباب في عملية الدخول والخروج وهو ما يؤكد رسوخ العادات والتقاليد لدى الأهالي والتي تقضي بعدم السماح لنسائهم من مخالطة الرجال، ويتميز الحصن بأبراجه الثلاثة الشامخة وهي: (الصباح، والمال، ومصلى العيد) بالإضافة إلى منصات استطلاعية في زوايا مختلفة من سور الحصن لتعزيز الحماية الأمنية ومراقبة الداخل والخارج إلى إليه، ورغم مقاومته للزمن وبقاء بعض آثاره الشاهدة إلا أن الآخر منها قد تهالك مع مرور السنين وقد طمستها عوامل الرياح والأمطار وساهم التوسع العمراني الذي كان للناس بحاجة إليه رغبة في تأمين مساكن لهم ولعائلاتهم ساهم هو الآخر بشكل كبير في هدم أجزاء كبيرة منه.

الصناعات الحرفية التقليدية:

امتهن الأهالي في بلاد الشهوم ومنذ قديم الزمان العديد من الصناعات التقليدية اليدوية كصناعة الفخاريات بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها مستخدمين في ذلك مادتي الصاروج والطين والصلصال، وعرف عنهم حبهم وشغفهم في صناعة السعفيات والتي تمثل النخلة فيها أهم ركائزها فمن خوصها يصنعون القفران والملهبة اليدوية والخصف والشت والمخرف وسمة الخباط التي تستخدم لوضع الطعام عليها وجني ثمار النخيل ومن زورها يصنعون الدعون ومن جذوعها يبنون العرشان والمظلات ومناضيد التمور وغيرها.

الآبار والأفلاج وهندسة الري:

برع الأهالي في بلاد الشهوم في شق الكثير من القنوات المائية (الأفلاج) في تضاريس جبلية وسهلية صعبة وفق هندسة ري متميزة ساعدتهم على إيصال المياه إلى مزروعاتهم، كما نجحوا في حفر الكثير من الآبار (الطويان) عن طريق سواعدهم، مستخدمين الحيوان كوسيلة لاستخراج مياهها عبر آلة المنجور الخشبية، واستطاعوا أيضاً شق قنوات مائية أخرى مستخدمين في شقها أدواتهم اليدوية كالكزمة والهيب والمطرقة والمسمار عرفت محلياً باسم (السمام أو سمام الفلج) وذلك لتحويل مسارات المياه عبرها إلى المناطق التي عادة ما تكون نائية عن مسارات الأفلاج الرئيسية، ويوجد منها في بلاد الشهوم أكثر من 7 أسمة متوزعة على مناطق مختلفة من بلاد الشهوم، وتمكنوا من خلق نظام ري آخر مدفون يصل بين ضفتي الوادي وهو ما يعرف باسم (غراق وفلاح) لإيصال المياه عبرها إلى مزروعاتهم ولا يزال البعض منها شاهد على ذلك.

الزراعة:

تتميز الأرض في بلاد الشهوم بخصوبتها وثروة محاصيلها الزراعية على مدار العام، كالتمور والخضروات والفواكه بشتى أنواعها وغيرها من الفواكه الموسمية.

الفنون الشعبية:

لا يزال الأهالي في بلاد الشهوم يحتفظون ويمارسون مختلف الفنون الشعبية العمانية وقد توارثوها عن أجدادهم وآبائهم كفن العازي والميدان والرزحة والتغرود والشيلة الجماعية الحماسية.

السياحة في بلاد الشهوم:

لقد حبا الله سبحانه وتعالى بلاد الشهوم بالعديد من المقومات السياحية الفريدة جعلت منها قبلة ومقصداً للسياح من داخل الولاية وخارجها، تنوعت هذه المقومات بين العيون المائية العذبة كالقطار والسخنة والغيول المائية الرقراقة المنسابة على طول أوديتها البكر والسدود المائية كسد بلاد الشهوم وسد الخور ناهيك عن ما تشكلة واحات النخيل والأشجار الوارفة الظلال على طول ظفاف أوديتها من صورة جمالية أبدع الخالق في تكوينها، بالإضافة إلى روعة تضاريسها وسلاسلها الجبلية ذات الألوان المتباينة واعتدال درجات الحرارة فيها، واخضرار مدرجاتها الزراعية ونسيم هوائها العليل وشموخ معالمها التاريخية على قمم جبالها وحصونها العريقة.

التنمية:

وقال الشيخ ذياب بن مسعود الشهومي: أن بلاد الشهوم ولله الحمد نالت في العهد الميمون لأعز الرجال وانقاهم الكثير من المشاريع التنموية التي غيرت ملامح وجهها الشاحب فدفع فيها بعجلة التعليم بدءاً من الكتاتيب وحلقات تعليم القرآن الكريم ثم إنشاء الخيام التعليمية إلى تأسيس أول مدرسة حكومية فيها عام 1986 حملت اسم الصحابي الجليل زيد بن الخطاب رضي الله عنه، تلاها إنشاء مدرسة أخرى للبنات عام 2008 حملت اسم بلاد الشهوم، لتتوالى منجزات السلطان الراحل – رحمه الله – كإدخال شبكات الكهرباء والاتصال والماء إليها وإنشاء مركز بلاد الشهوم الصحي ورصف طريق (بلاد الشهوم – مقنيات) والطرق الداخلية لبعض قراها، ويجري العمل حالياً على استكمال إنجاز مشروع طريق بلاد الشهوم الهجر لمسافة تقدر بحوالي 2 كيلو متراً والذي يعتبر طريقاً حيوياً مهماً ويختصر المسافة بين قرى وادي العين، والهجر وبلاد الشهوم ويربط البلدة بمحافظة الداخلية ويفتح آفاقا سياحية بمروره عبر السلاسل الجبلية والأودية التي تنتشر على ضفافها أشجار النخيل والسدر والأشجار الوارفة الظلال." وعن العهد السعيد لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه – وقال الشيخ الذيب بن سعود الشهومي: بأننا باقون على العهد والوفاء والولاء لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه - بكل عزم وحزم وثبات للمضي بعُمان الغالية نحو مصاف الدول المتقدمة، متطلعين في عهد جلالته المبارك - أعزه الله ـ إلى تحسين جودة شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت في كافة قرى بلاد الشهوم، ورصف وإنارة طريق ( بلاد الشهوم – الرستاق عبر طريق صداق) حيث أن هذا الطريق يربط بلاد الشهوم بولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة ويفتح حركة التنقل بين سكان محافظات الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة وإنارة طريق ( بلاد الشهوم – الهجر ) كونهما طريقان رئيسيان مهمان لا تقل أهميتهما عن باقي الطرق الأخرى بالولاية، كما نتطلع من حكومة مولانا ـ نصره الله ـ إلى ضرورة الإسراع في انقاذ المعالم التاريخية في بلاد الشهوم من حصون عريقة وأبراج استطلاعية بترميمها وإنارتها فهي إرث لا يتجزأ من إرث عمان الضارب في عمق التاريخ، مثمنين دور الحكومة الرشيدة في انجاح خططها التنموية الشاملة وبناء حياة أفضل للمواطن العماني." ويستذكر سعيد بن راشد الشهومي حجم الإنجازات العظيمة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله ـ ومآثره الخالدة على مدى خمسين عاماً التي أرسى خلالها نهضة شاملة عمت عُمان قاطبة، مؤكدً المضي قدما خلف من توسم فيه فقيد الوطن ـ رحمه الله ـ القيادة والحكمة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في ظل مجده، الذي رسخ جلالته ـ أبقاه الله ـ أركانه، ورسم طريقه وأهدافه على وتر عُمان 2040، متطلعين في عهد جلالته ـ أبقاه الله ـ استكمال بعض المشاريع الحيوية كرصف الطرق الداخلية بالبلدة وإنارتها وبناء الجسور اللازمة في ممرات الأودية في الطريق الداخلية والطريق الرئيسي الذي يربط بلاد الشهوم ببلدة مقنيات وإنارتها درئاً لمخاطر الأودية وسلامة المواطنين."

 

تعليق عبر الفيس بوك