الشَجاعة المُجتمعية‎

 

 

أنيسة الهوتية

 

في الحياة العامة نجد أن أغلب من حولنا يصف نفسه بالشُجاع، وبأنه لايخاف من أحد ويرد الصاع صاعين! ولكن هل هذه هي الشجاعة فعلا؟ المشاجرات الكلامية، والمصارعة اليدوية، مع وقاحة وقباحة الرد على الآخرين!؟ أنا عن نفسي لا أستطيع وصف تلك الشخصيات بالشُجاعة أبداً، ولا المتهورين برمي أنفسهم في المهالك! فالشُجاع شخصٌ متحكم مسيطر على نفسه وأعصابه، ولديه قاعدة ثابتة تقول ( لكل حادثٍ حديث ) فلا تتشابه لديه الأفعال والأقوال الشُجاعة مع المواقف المتشابهة إنما تختلف بإختلاف الأسباب والمسببات، وبذلك أرى أن الإنسان الشجاع بالفطرة لايخلو من الحكمة في إدارة الأمور.

 

وأفضل أنواع الشُجعان الإجتماعيين في نظري هم ثلاثة، أولهم من يواجه مشاكله مباشرة بذكاء وقوة فيقطع العرق "ويسيح الدم" أو يضرب الحديد وهو حامي وينهي الأزمة وهي لاتزال جنيناً في رحم أمها، ولايتهرب منها مِثل الجَبان ويدعها تتفاقم، وإن تسبب بشرارتها في لحظة ضعف وقلة إدراك لايهملها في كومة القش، بل يطفئها. ولايتركها تشتعل كي تصير ناراً هوجاء تُحِرق الأخضر واليابس ويصل دخانها إلى الأفق ليعلم عنها القريب والبعيد، فيتدخلون إنسانيا لإطفاءها، وبعدها يأتي حضرته ليلقي اللوم على من وضع كومات القش متقاربة من بعضها البعض، وبأنه لولا ذلك لما كانت تلك الشرارة تصبحا ناراً!

 

وثانيهما هو الشجاع الذي لايخشى أن تكون له زوجةٌ بارزة في المجتمع، يتحدث عنها هذا وذاك، عن إنجازاتها ونجاحاتها وإهتماماتها وذكائها وثقافتها وكذلك عن جمالها إن كانت جميلة، ويفخر بكونها شخصية إجتماعية مميزة للمجتمع، ولكنها شيءٌ آخر تماماً له، فهي زوجته، حبيبته، شريكة حياته التي تعيش معه تفاصيل يومها، ويكون واثقاً من نفسه معها، ولا يكون كمن تستحوذ عليهم الغيرة وتتلبسهم وتتخبط بهم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ممن يضيقون الخناق على مسألة "المرأة عورة"  المقتنعين بأن حتى ذكر إسمها عورة! وكأن الإسلام أمرهم أن يُلبِسوا المرأة خياماً سوداء، ويضعونها بين أربعة جدارن مع عازل للصوت! والمضحك في الأمر أن أغلب الرجال الذين يصرون على وضع القيود الشديدة جدا على المرأة، وإقناعها بحرمانها مما أباح لها الإسلام هم من الرجال ذوي العيون "الزايغة"، وكثيراً يستخدمون جملة. :" لا أريد أن أكون ديوثاً"!! يا رجلَ! هناك فرق بين الدياثة وبين أن تكون رحوماً على القوارير قواماً عليهم، تسمح لَهُن بعيش حياتهن في حدود ما سمح لَهُن الإسلام، ولا تكون لها سجاناً  وتجعلها جارية وتابعة لكَ! وفي مثل المواقف المشابهة، حين تكون تلك المرأة مثقفة ومتعلمة وترفض المعاملة الجاهلة تلك التي لا تمت بالدين بصلة، بل بالمجتمع وغيرة الرجال، يتم إتهامها بالنشاز، والإتهام هذا يجرجرها إلى إتهامات أخرى ولتلك المرأة اقول، عليكِ بتكرار دعاء آللهم اعوذ بكَ من قهر الرجال.

 

أما الشُجاع الثالث أو الشُجاعة، لأن صفة الشجاعة لا تختصر على الذكور فقط، فإنه الإنسان الذي يقول الحق ضد الجماعة المتفقين على الباطل، يخالفهم الإتفاق ويخرج عنهم وإن كان ذلك سيتسبب له بالإضطهاد، والتنافر من جماعته أو مجتمعه، في تلك الحالة هو ينظر إلى الله ويتقيه ويرتضي محبته ورضاه والقرب منه، ولايرتضي رضى ثُلةٌ ممن إتفقوا على إزهاق الحق وإعلاء الباطل إرضاءً للعادات والتقاليد والمجتمع، أو إرضاءً لغرورهم الشخصي بتكبرهم ونرجسيتهم، فكانو بذلك يشترون دنياهم ببيع آخرتهم، ولا يفعل ذلك إلا كل كفار عنيد.

 

والشجاعة رزق عظيم، ومن رزقه الله إياها في فطرته فإنه سبحانه وتعالى قد رزقه معها جزءٌ من الحكمة والرحمة.