فاطمة الحارثية
يُحكى منذ سالف العصر وزمن الإنسان، أن أوجدنا لأنفسنا نحن معشر البشر أحلاما ورغبات ووضعنا منها أهدافا، وصنعنا لها شريعة لنتنافس في بلوغ المراد، قد يكون المراد نبيلاً عند البعض، وشرا لدى البعض الآخر "نعم هناك من يستمتع بفعل الشر، لماذا نستنكر ذلك؟"؛ واتفق الجميع على وجوب وجود أفعال وسلوكات كوسائل لبلوغ أيٍّ من الغايتين، ومعه أقررنا أنَّ التوفيق ليس حتمياً، فالعمل سواء كان جادًا أو سهلاً يحتمل النجاح أو الفشل، بدءًا من التخطيط والتنفيذ إلى حماس ترقب النتائج والاستمتاع بالمخرجات، قد لوحظ أن نِسب الفشل في تلك المساعي قد تكون أكبر من نسب النجاح، لكن في الحقيقة ما قد نراه فشل لأننا نفسر الأمور بحدودنا العلمية والعقلية، قد يكون نجاحًا باهرًا، ورفضنا له لأنه ليس كما خططنا، أو رغبنا به أو توقعناه، لا يُعطيه صفة الإخفاق أو الفشل؛ ربما قبول النتائج التي قد نُعرفها على أنها "فشل" والتفكر فيها، قد يُلهمنا لفهم أكبر للنجاح أو المراد الذي سعينا إليه، وتقبل كل تلك المعادلات يعتمد حقيقة على العوامل الذاتية، وتفاوت معايير التفاؤل والثقة لدينا.
اركن قليلاً في زاويتك الخاصة للتأمل والاسترخاء أو كيفما تُحب، وأسرد قصتك الحقيقية لنفسك، وليس ما تنسجه من خيال أو أحلام للتمويه، أو تتوهمه من طيب الكلام المعسول الذي تتلقاه من الغير، نعم راجع روايتك وتذكر نهايات كل ما سعيت إليه، وإن لم يكن حسب توقعاتك، فهل يجب أن تقول عنها إنها فشل؟ ولابد من أن يُلام أحدهم في ذلك؟ الحقيقة أنَّ تلك المحطات ليست إلا جزءا من الانتهاء الحتمي، وتحقق النتيجة النهائية الواقعية التي نسوفها كثيرا تحت مظلة نجاح أو فشل والحقيقة هي جنة أم نار.
يُطلب من بعضنا أحياناً كثيره أن يُبدي رأياً في أمرٍ ما، كتغذية لإثراء المحتوى أو صناعة التنويع في المادة، الغريب أنَّ الغالب يتبع أسلوب النقد السلبي، أي أنَّه يبحث عن الأخطاء، وكأن مفهوم النقد ينحصر في التقليل من الجهود المبذولة بحجة "المزيد"، أو أسلوب البعض الآخر المُبطن بالإطراء والثناء الزائف، مع لمحات غير مُباشرة ومُبهمة، وإن جاد الزمان ببعض العقول النيِّرة، التي ترى أن النقد ليس إلا ما يقوم به من أعمال وأقوال مُستمرة في التوجيه والإرشاد والتعليم، ويُعززه الحوارات المفتوحة، لتحقيق عناصر التطوير والبناء، وبلوغ الأهداف المشتركة مما يثري روح التعاون، نجد صد البعض له ونعته بـ"الضعيف أو العاطفي".
تبذل الكثير من المُؤسسات الملايين، من أجل إثراء الجزء العاطفي للموظفين، وتحفيزهم لتعزيز الإنتاج، وخلق الولاء المؤسسي فيما يُعرف بالذكاء العاطفي، وقد أوجدت بعض المؤسسات أنظمة، مثل مُشاركة الأرباح، في سبيل تحقق هذا الجزء الهام، في منظومة الثروة العُمالية، بالإضافة إلى الصرف الجزيل في التدريب التقني، غير أنَّ تركيز الغالبية يكون مادياً، أكثر منه معنويًا، فلا تكترث المؤسسات كثيرا بالبيئة، التي ربما قد توفر عليها كل تلك الأموال الطائلة؛ حكى لي قريب لي عن إحدى الشركات المتوسطة، حيث عمل صاحبها على تعيين أحد أقاربه في القسم المالي، وكما نعلم جميعاً كيف يكتظ ذلك القسم بالعمالة الأجنبية، لاحظ ذلك المُوظف عمليات اختلاس منتظمة لتلك العمالة، فتوجه إلى صاحب المنشأة ليُعلمه بذلك فنهره، وقال له ليُركز على عمله، بعد بضع شهور عاد الموظف ليُؤكد بالبراهين تلك الأعمال الفاسدة، وما كان من صاحب المنشأة إلا أن هدده بالاستغناء عن خدماته وطرده إن كرر ذلك، تصوروا ما كانت حجة المالك، أنَّ تلك العمالة تُدر عليه أضعاف ما تختلس، في تجاهل تام لما قد تخلفه تلك السلوكيات في بيئة العمل. هناك طرق أخرى غير التغاضي عن الفساد لتكريم اجتهاد الموظفين، مثل مشاركة الأرباح أو المكافأة أو غيرها، وهي صحية وذكية، وتحافظ في ذات الوقت على بيئة عمل مستقرة. وهذا بعض من كثير، فبعض المؤسسات تتغاضى عن أفعال وتنمر وسلوك بعض المسؤولين، بحجة براعتهم أو غزارة إنتاجهم، مما يُفقدها جماعة أو عدداً من الموظفين الجيدين ويؤثر على الإنتاج، علماً بأنَّ أولئك المسؤولين لم يكن ليُحققوا ما ينسبونه إليهم إلا بمعاونة فرق العمل وتنفيذها لتلك الأعمال، كما ويعمل سلوكهم على إنشاء بيئة عمل سيئة ومكلفة جداً للمؤسسة، سواء بسبب عدم الاستقرار أو قضايا السلوك والتعويضات وتحديات الأمن الوظيفي لدى الموظفين.
جسر...
استطاعت شركات عالمية تربعت على أعلى قائمة الإنتاج، صناعة مفاهيم مختلفة لبيئة عمل مرنة، إذ عددت سُبل التقييم في ذات المؤسسة، وعززت مفهوم الشراكة في بيئة عمل فاعلة، وأثرت منظومة الحقوق، للحد من المُؤثرات المثبطة للابتكار المؤسسي والإنتاج، ليصبح الرابح الأكبر كلا الطرفين المؤسسة والموظف، في مناخ العمل المشترك الذي يُحافظ على استشراف الأمن المؤسسي.