محمد البادي
ابتهجَ أبناءُ عُمان جميعاً بلا استثناء، من أعالي قمم الجبال الشاهقة في محافظة مسندم إلى السهول الخضراء المنبسطة في أرض اللبان ظفار، وتهلَّلت أساريرهم حين بُثّت أنباء المراسيم السلطانية السامية، التي تفضل بإصدارها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يوم الثامن عشر من أغسطس 2020م، ليُزيح الستار عن النهج السلطاني في استكمال مرحلة البناء والتعمير والتطوير، مؤكداً جلالته على اهتمامه السامي بديمومة مسيرة التنمية في البلاد، تحت شعار "عُمان نهضة متجددة".
وفور صدور هذه المراسيم السلطانية السامية، اتَّضحت ملامح الإجراءات التي كانت تشغل بال جلالة السلطان المعظم، من أول يومٍ تولى فيه مقاليد الحكم في السلطنة، والتي كانت دليلاً واضحاً على الرغبة الصادقة لجلالته في مواصلة النهج الراسخ للمسيرة المظفرة التي ارتكزت عليها النهضة العمانية الحديثة التي أرسى قواعدها رمز عمان الخالد، المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه.
ومما يؤكد هذا النهج السلطاني، تلك الكلمات المضيئة التي أنارت سماء عمان عندما تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بإلقاء خطاب تاريخي للمواطنين، يوم الثالث والعشرين من فبراير الماضي، والذي أشار فيه إلى عزمه الأكيد اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة التي تُسهم في تحقيق الاهداف المستقبلية للنهضة المباركة، حيث قال جلالته:
"ومن أجل توفير الأسباب الداعمة لتحقيق أهدافنا المستقبلية، فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه وتبسيط الإجراءات، وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها".
إنَّ من أهم وأبرز اهتمامات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تسهيل الخدمات المقدمة للمواطنين، والتعجيل بإنجازها بأسرع وقت ممكن دون تأخير أو تعطيل أو مماطلة أو تسويف، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على مسيرة التنمية، وتحقيقاً للأهداف المرسومة لرؤية عمان 2040.
لقد أكد جلالته أثناء ترؤسه مجلس الوزراء الموقر في وقت سابق على: "أهمية قيام المسؤولين في المؤسسات الخدمية بتسهيل إجراءات حصول المواطنين ومؤسسات الأعمال على الخدمات التي تقدمها تلك الجهات، مع ضرورة العمل على تسريع خطوات اكتمال الحكومة الإلكترونية في القريب العاجل".
وقبل أن يجف الحبر الذي رسم به شعار "رؤية عمان 2040"، وحرصاً على تحقيق أهداف هذه الرؤية، وللمساهمة في إنجاح الاجراءات التي نصت عليها المراسيم السلطانية السامية، لا بد أن تجدد بعض القطاعات الخدمية في سياساتها الداخلية، وإن لزم الأمر التخلي عن بعض هذه السياسات التي لا تواكب معطيات المرحلة الحالية.
يجب إعادة النظر في إمكانية توسيع نطاق التعامل مع المواطنين، وإفساح المجال لهم للمشاركة بفاعلية في عملية البناء والتطوير؛ لذلك لا بد من النزول من الأبراج العالية إلى أرض الواقع، والخروج من الحصون المنيعة إلى الأسواق والشوارع والميادين والساحات، وتكثيف الزيارات إلى المحافظات والولايات، والوصول إلى القرى والبلدات، للنظر في الخدمات والمشاريع المنفذة، والالتقاء بالمواطنين وجهاً لوجه بشكل مباشر، والاستماع لمطالبهم وآرائهم دون وساطة من أحد، والوقوف على أحوالهم، وتلمُّس أوضاع الفقراء والضعفاء ومن آلمته الحاجة ودارت عليه تصاريف الزمان.
كما يجب الاستفادة من خبرات بعض المؤسسات الخدمية التي صارت نبراساً واضحاً في فن التعامل مع المواطن، والتي يجب أن تكون نموذجاً يحتذى به، من خلال حرصها التام على إشراك المواطن في عملية البناء والتطوير وتجويد الخدمات.
واتَّضح ذلك جليًّا -على سبيل المثال لا الحصر- من خلال قيام هذه المؤسسات بتوظيف وسائل التقنية الحديثة في فتح قنوات مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الأجهزة الذكية والخط الساخن للتواصل مع المواطنين بشكل مباشر، وإنجاز معاملاتهم بأسرع وقت ممكن دون تأخير أو تسويف.
أضف إلى ذلك، ومن أجل ضمان جودة الخدمات المقدمة، نشرت هذه المؤسسات ثقافة الشراكة مع المواطنين، ليكون المواطن عيناً ثالثةً لها، فسارعت إلى فتح نافذة الكترونية مباشرة مع رئيس الوحدة، لتسهيل عملية تواصل المواطن أينما كان ووقتما يشاء مع رئيس الوحدة، لإبداء ملاحظاته وإسداء آرائه المتعلقة بتلك المؤسسة، سواءً في إطار مصالحه الفردية بشكل خاص، أو المصالح المشتركة بشكل عام، بحيث يطّلع الرئيس على هذه الملاحظات في سرية تامة دون غيره، ويتعامل معها بمهنية عالية، ثم يصدر توجيهاته باتخاذ الإجراءات المناسبة، واضعاً في الاعتبار مراعاة المعيار الزمني الذي في الغالب لا يتجاوز 24 ساعة منذ تلقي الملاحظة إلى حين إيجاد الحل المناسب لها.
لا بد من التعاون البنَّاء، والتكاتف من الجميع، والتخلي عن سياسة الأبواب المغلقة، يجب إزالة الأبواب التي صارت حاجزا منيعاً بين المواطن والمسؤول، فتغيير الأسماء لن يجدي نفعاً طالما أن السياسات لم تتغير.
حفظ الله عُمان وجلالة السُّلطان، وأيَّده بالبطانة الصالحة التي تدله على خير البلاد والعباد.