د. عبدالله باحجاج
تابعنا يوم الثلاثاء الماضي الاختلاف بين رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدَّولة ونائب رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى بشأن تطبيق ضريبة القيمة المُضافة وشروطها، فقد كان المُواطن غائباً في هذا الاختلاف، فلم يتناول الطرفان مدى مقدرة المُجتمع على تحمل هذه الضريبة، وهذا هو الأهم، وهو المعيار الذي يستند عليه قبول الضريبة أو رفضها، ومنه تطبق الضريبة، أو التحول للبحث عن الخيارات الأخرى، وليست القضية في تأجيل تطبيقها، أو في مُستقبل النمو الاقتصادي والركود.
ومما زاد من توجسنا من هذه الضريبة، أنَّه في اليوم الثاني من هذا الاختلاف، تمَّ رفع قانون الضريبة المُضافة إلى عاهل البلاد -حفظه الله- وجوهر الاختلاف يكمن في تصريح نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى بأنَّه تمَّ الاتفاق مع مجلس الدولة على تأجيل تطبيق هذه الضريبة إلى العام 2022 بشرط رفع معدل النمو الاقتصادي بنسبة 3%، فيما سارع رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الدولة إلى نفي هذا الاتفاق، وربط الضريبة بالتعافي الاقتصادي، بل إنِّه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اعتبر أنَّ توقيت التطبيق حق سيادي للحكومة!
التلويح بالمفهوم السيادي في قضية تشاركية، يعكس فكر الجيل القديم، كما إنِّه يُمثل عودة للخلف من أجل وقف مسيرة الذهاب إلى الأمام؛ فضريبة مثل القيمة المضافة، ينبغي أن تكون توافقية بين الحكومة ومُمثلي المُجتمع، ولا ينبغي أن تُفرض إلزامياً من حيث المبدأ، أو من حيث نسبتها وتوقيتها، والنظام الأساسي للدولة ينص على عدم فرض ضرائب إلا عن طريق القانون، ومجلس الشورى شريك في إصدار القانون. وفي العهد السياسي الجديد، يتطلع المجتمع إلى نجاعة شراكته عوضاً عن فرضها من جانب واحد، لأنَّ المجتمع سيكون المعني بها "تطبيقاً ونتائج"، ففي الضرائب والرسوم، يكون المجتمع وعائها الضريبي، فلا بُد أن تكون الضريبة في مقدرة المجتمع المالية.
من هنا يبحث قانون الضريبة من هذه الزاوية على الأقل من قبل مجلس الشورى، وليس من منظور قضايا التوقيت وجعله مرهوناً بالنمو الاقتصادي، فطوال تاريخنا الحديث للنمو الاقتصادي انعكاسات اجتماعية محدودة، فلا نراهن عليه كثيراً، وقد لا نلوم أعضاء مجلس الدولة إذا لم يبحثوا الضريبة من هذا البُعد الاجتماعي، لأنهم يأتون لهذه المُؤسسة الدستورية عن طريق التعيين ومن مُختلف القطاعات في الدولة، ومن بينها القطاع الاقتصادي، وفيه من كبار التجار، لذلك، فمن حقهم الدفاع عن مصالحهم، لكن لو انفتحوا على ديمومتها، فسيرون أن الانفتاح على البعد الاجتماعي، والاعتداد بظروفه، يصب في الديمومة.
وذلك من ناحيتين؛ هما: البيئة الاجتماعية التي يستثمرون فيها، والحفاظ على القوة الشرائية للمواطن، وهذه الأخيرة ينبغي أن تكون شغلهم الشاغل، فضعف القوة الشرائية سينعكس سلباً على الحركة التجارية في البلاد، فهل تمت دراسة تأثير الضرائب والرسوم وخاصة ضريبة القيمة المضافة من هذا المنظور؟ سنُحاول هنا إعطاء مُؤشرات عامة عن عدم مقدرة المجتمع المالية والذي تستهدفه الآن ضريبة القيمة المضافة مهما كانت نسبتها، وهنا سنُركز على الفئات الاجتماعية وشرائحها، فالمجتمع مكون من مُوظفين ومُتقاعدين ومن كبار السن وأطفال في وقت لم يصل تعداد سكاننا من العُمانيين إلى ثلاثة ملايين نسمة حتى الآن، وهنا منطقة الحكم على هذه الضريبة سلبًا أو إيجاباً.
ومن خلال الأرقام المنشورة من قبل مصادر رسمية، سيظهر لنا عدم المقدرة المالية لأغلبية تلكم الشرائح، فهناك 59679 متقاعدًا وفق نظام صناديق تقاعد موظفي الخدمة المدنية حتى يونيو 2020، هذا بخلاف أعداد المتقاعدين الذين تم إحالتهم إلزاميا للتقاعد منذ مايو الماضي، والإحصائية التي استندت عليها تُشير إلى أعداد المتقاعدين- قبل المتقاعدين إجبارياً- يزدادون بنسبة 2% عن العدد المسجل عام 2019.
بينما بلغ عدد المتقاعدين المسجلين في صناديق تقاعد موظفي القطاع الخاص 18932 متقاعدا مسجلين بذلك ارتفاعاً بنسبة 9.7% مقارنة بعام 2017، وهنا تساؤل عرضي يطرح نفسه، فما دام هناك زيادة في التقاعد القانوني في كلا القطاعين، فلماذا التقاعد الإلزامي والفجائي؟ وكم سيُوفر لموازنة الدولة؟ قد لا نجده مبلغاً كبيراً بعد أن انكشف أنَّ الثقل في المرتبات مرجعه ثقل عدد الحكومة والدرجات الخاصة ومرتباتهم الاستثنائية التي تمنح بموجب مراسيم.
المُثير هنا أنَّ أكثر من ثلاثة أرباع المتقاعدين في صناديق تقاعد موظفي القطاع العام تتراوح معاشات تقاعدهم ما بين 200 إلى أقل من 600 ريال، بينما في القطاع الخاص، تتراوح معاشات قرابة 71% من إجمالي المُتقاعدين بين 200 إلى أقل من 400 ريال، وهذا يعني أنَّ أغلبية معاشات متقاعدي القطاعين العام والخاص متدنية، فهل تتحمل ضريبة القيمة المضافة؟
لن تكتمل المُؤشرات العامة، إلا إذا حاولنا أن نُلم بكل أجزاء المشهد الاجتماعي، فهناك شريحة كبار السن، ويبلغ عددهم وفق إحصائية 2016 نحو 145 ألفاً و825، مشكلين 6% من السكان العمانيين، وهناك كذلك شريحة الأطفال من عُمر يوم إلى 17 سنة، ويشكلون 42%، وفي هذه المؤشرات تفاصيل مهمة جداً تعزز البعد الاجتماعي في مُواجهة ضريبة القيمة المضافة، مثل أعداد الباحثين والمسرحين وطلاب المدارس الجدد الذين لم يحصلوا على فرص تعليم ما بعد الدبلوم العام، وجميعهم يعتمدون على الراتب الضعيف غالباً.
وهنا يكتمل المشهد الاجتماعي من خلال تلكم المؤشرات الرقمية، وينبغي أن تُقرأ بعمق، وتُستخلص النتائج؛ أبرزها:
- أن فرض ضريبة القيمة المضافة على مجتمعنا من خلال تلكم الأرقام وخصوصية شرائحه الاجتماعية خط أحمر.
- وفي حالة الإصرار على فرضها، فإنِّها ستضرب القوة الشرائية للمواطن، وهذا الضرب هو حاصل بصورة تلقائية- بصرف النظر عن هذه الضريبة- ونتوقعه في نهاية يناير المُقبل عندما يطبق التقاعد الإلزامي والفجائي على الآلاف من الموظفين، فكيف لو طبقت ضريبة القيمة المُضافة؟
فأغلب الشرائح الاجتماعية وفق الأرقام سالفة الذكر، تعيش على الدخول الضعيفة، وعليها استحقاقات كثيرة، انضم إليها الآن، باحثون عن عمل جدد لم يتمكنوا من الحصول على تعليم ما بعد الدبلوم العام، وقد حصرهم الزميل حمود الحاتمي في مقاله الأخير بنحو 22 ألف طالب، ومثل هذا الرقم ينبغي أن يُغير مسارات قائمة، لا أن يرمى في المحتوى الاجتماعي، فكم يتحمل؟ وإلى متى؟
- وإذا ما حاولنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فإنِّه يُمكن القول إنَّ بلدا كسلطنة عُمان حباها الله بثروة نفطية وغازية- وهذه الأخيرة بكميات فلكية- ومقومات اقتصادية طبيعية وبموقع جيواستراتيجي وبتعداد سكاني قليل يُمثل تعداد سكان مدينة في دولة عربية، يجب أن تكون الدولة الوحيدة في العالم الخالية من الضرائب، وأن يكون شعبها أسعد شعوب العالم- وقد قيلت هذه العبارة- وتصبح جنَّة الاستثمارات في العالم.
والتساؤل الذي يُطرح على أعضاء مجلس الشورى، هو، هل ناقشتم ضريبة القيمة المُضافة من تلكم الأبعاد الاجتماعية وأرقامها؟ هذا هو المعيار الوحيد الذي يحكم المُوافقة على الضريبة أو رفضها؟ وهنا نُبدي علامات استغراب واندهاش كبيرة من الموقف المُعبِّر عن مُمثلي المجتمع، فكيف يسلمون بهذه الضريبة؟ وكيف يختزلون قضيتها في التوقيت وفي النمو الاقتصادي؟
لقد تمَّ انتخابهم من أجل الدفاع عن مصالح المجتمع، ومساعدة الدولة في تجنب المخاطر، فهل هذه الضريبة تحقق لنا ذلك؟ صحيح ستزيد الموارد المالية لخزينة الدولة، لكنها ستضعف قوة الدولة الناعمة، كما إنها تفتقر لمبدأ العدالة، وبصرف النظر عن كل ذلك، أنا أومن أنَّ بلدا كبلادنا هي في غنى عن الضرائب إذا وظفت عوائدها النفطية والغازية في مسارات وطنية، وبصورة واضحة، واتجهت نحو توسيع قاعدتها الإنتاجية، واستغلت مُقوماتها الاقتصادية أفضل استغلال في ظل تعداد سكاني قليل، أكثر من نصف مليون أطفال وكبار سن.