من أيام النضال

 

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

 

استهدف القصف الكثير من الأهداف ومنها عيون المياه ومناطق الرعي وكهوف المواطنين، إنها الحرب وكل طرف يُريد فرض سيطرته على الأرض؛ فالثوار يعتمدون على السكان المحليين في كل تحركاتهم وحتى تموينهم بالمواد الغذائية، ولم يكن لهؤلاء من خيار فهم بين مطرقة الحكومة وسندان الثورة، وأمام هذا المشهد نزح الكثير منهم للمدن الساحلية تجنباً لرحى الحرب إلا عدد قليل آثروا الصمود وكان عليهم المواءمة بين الفريقين وهم يسعون لإنهاء الصراع بشكل سلمي ودون الحاجة لمزيد من الضحايا والخسائر.

وفي نهار أحد أيام الصيف القائظ كانت نفوس الجميع تهفوا لعين الماء الوحيدة في المنطقة ومعهم قطعانهم وأسرهم وقد اكتظ المكان بالناس والمواشي وأثناء ذلك تأتي فرقة من القوات النظامية لتتمركز على الماء بينما ساد صمت بين المواطنين رغم أنَّ مندوب الفرق الوطنية طمأنهم بأنها إجراءات احترازية لكنهم توجسوا خاصةً وأن العين تمَّ قصفها قبل عدة أيام بالطيران الحربي مما أدى لفقدان عدد من رؤوس الماشية هنا دار حديث عن خسائر القصف السابق وتكفل مندوب الفرقة بتعويض المتضررين.

حُلبت الإبل مبكراً ذاك النهار وتم إكرام من حضر من المواطنين وأفراد الجيش النظامي، فحسب التقديرات أنَّ أعضاء من الثورة سيكونون ذلك النهار على الماء أو بالقرب منها ولذلك استبقت القوات الحكومية الموقف وأمنت المكان تمامًا، حملت النساء ملابسهن التي غسلنها للتو واصطحبن صغارهن فالموقف ينبئ بمواجهة دامية، وأثناء ذلك لمح أحدهم حركة غير اعتيادية من إحدى النساء فذهب إليها دون أن يكلمها مباشرة بل مرَّ حولها فقالت له الثوار قادمون إنهم باتوا على مقربة من هنا، فعاد الرجل وهمس لأصحاب الإبل أن يبعدوا إبلهم فقد يحدث ما لا يحمد عقباه، وبالفعل أيقظوا إبلهم المستلقية في المعاطن ونفروا بها في عدة اتجاهات، وكان ذلك مؤشرًا كافياً ليعلم الجيش أن الهدف قد اقترب من نقطة المركز.

قام ذات الرجل بانسحاب تكتيكي وذهب للثوار القادمين من الجنوب وأوقفهم؛ حيث أخبرهم بأن جمع كبير من الناس على الماء والكثير من الماشية ونشوء معركة هناك سيحدث الكثير من الخسائر وأطلب منكم الانسحاب لمصلحة الجميع، هنا كابر أحدهم ورفض فتقدم آخر وقال بل هم يرحلون بلغهم ذلك، يقصد القوات الحكومية، رد عليهم بأنَّهم متمركزين لأجلكم ولن ينسحبوا، ونرجو أن تغلبوا لغة مصلحة الناس على المواجهة يكفينا أننا بالأمس القريب فقدنا الكثير من المواشي بسبب القصف الجوي قال ثالث هل تريدنا أن نفعل لك ما لم نفعله لأحد قال نعم ويجزيكم الله خيرا وعاد الرجل أدراجه بينما هم ظلوا هناك.

قابله مندوب الفرقة في وسط الطريق وسأله عن الموقف فقال الثوار قادمون وعلينا إقناع الجيش بالانسحاب لكي لا تتحول المنطقة إلى جحيم فعادوا وأخبروا قائد الفرقة النظامية بأنَّ هذا ليس من مصلحة أحد وسوف يؤلب نفوس الناس في حال فقدوا المزيد من الخسائر بسبب هذه الحرب اتصل بالقيادة وبين لها الموقف فانسحب الجيش وفرَّ المواطنون وخلت الماء.

وما هي إلا دقائق وأتت الطائرات تحلق في سماء المكان ونفذت عدة غارات قصفت من خلالها مواقع افتراضية للثوار الذين لا يأبهون كثيرًا بتلك الطلعات، بينما أصيب قطيع من الأبقار فنفق البعض واستطاع المواطنون تذكية البعض والاستفادة من لحومها وفي المساء باتت القدور تفور في مجتمعات الكهوف فاللحم وفير هذه الليلة لكن الخسارة كانت كبيرة لملاك الأبقار الذين لم يكن لهم لاناقة ولا جمل في هذه القضية سوى البقاء بين طرفي الصراع من خلال تمسكهم بأرضهم وماشيتهم وحياتهم التقليدية التي جبلوا عليها منذ الأزل فدفعوا لذلك أثماناً باهظة، بينما هم يصارعون للبقاء كطرف محايد.

 

نقطة على السطر:

الحروب لا تجلب إلا الخراب والدمار، لذلك اقتنع العُمانيون بسبيل السلام لأنهم ذاقوا ويلات الحروب ومرارة الحرمان.