الواقع الافتراضي والواقع المعزز (2 - 3)

عبيدلي العبيدلي

 

كما أشرنا في الحلقة الأولى فإنَّ جيل المُستقبل هو الجيل القادر على التعامل المستمر المتنامي بلا حدود في آن مع التحول الذي سوف تشهده ثورة التكنولوجيا، والتي ستحتل تطبيقات "الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والواقع المعزز (Augmented Reality)" موقع القلب منها.

وكون الواقع المُعزز على النحو الذي نستخدمه اليوم هو في مراحل تطوره الجنينية المُبكرة، فما تزال الاجتهادات مُستمرة من أجل الوصول إلى تعريف مُحدد له. لكن المُؤسسات التي انغمست في تطوير تطبيقات مُعقدة باستخدام تقنيات الواقع المُعزز، تقترب تعريفاتها من بعضها، وتكاد أن تجمع على أن "الواقع المُعزز هو نوع من الواقع الافتراضي الذي يهدف إلى تكرار البيئة الحقيقية في الحاسوب وتعزيزها بمُعطيات افتراضية لم تكن جزءًا منها. وبعبارة أخرى، فنظام الواقع المُعزز يولد عرضاً مركباً للمستخدم يمزج بين المشهد الحقيقي الذي ينظر إليه المستخدم والمشهد الظاهري التي تمَّ إنشاؤه بواسطة الحاسوب والذي يعزز المشهد الحقيقي بمعلومات إضافية".

وبخلاف الواقع الافتراضي الذي ينطلق من محاولة "بيئة اصطناعية تمامًا، يستخدم الواقع المُعزز البيئة القائمة ويقوم ببناء معلومات جديدة عليها. (ولذلك نجده يتولى عملية) دمج المعلومات الرقمية مع بيئة المستخدم في الواقع الحقيقي".

يتولد من هذه العملية التي تستفيد من تقنيات الواقع المعزز، ما أصبح يطلق عليه المشهد الظاهري (virtual scene)، الذي يجري بموجبه "تخليق بيئات من خلال مجسمات محوسبة تهدف إلى "تحسين الإدراك الحسي للعالم الحقيقي الذي يراه أو يتفاعل معه المستخدم".

ويهدف الواقع المعزز إلى إنشاء نظام لايُمكن فيه إدراك الفرق بين العالم الحقيقي وما أضيف عليه باستخدام تقنية الواقع المعزز. فعند قيام شخص ما باستخدام هذه التقنية للنظر في البيئة المُحيطة به، "تكون الأجسام في هذه البيئة مزودة بمعلومات تسبح حولها وتتكامل مع الصورة التي ينظر إليها الشخص".

ويرتبط الواقع المعزز في أذهان الكثيرين منِّا بلعبة (بكيمون غو (Pokémon Go)، أو ما يُمكن أن نطلق عليه ظاهرة، " بكيمون 2016". ومن ثم فهي في نظرهم وليدة التطور الذي عرفته تقنية المعلومات في القرن الواحد والعشرين. وهناك من يُؤرخ لها بالعام 1990. حيث يعتقد مثل هؤلاء أنّ هذه التقنية ليست وليدة الأمس، وإنما هي وليدة القرن الـ 21. وذلك بسبب أنها تقدم فكرة تقنية متقدمة جداً. ولكن في حقيقة الأمر، مرّت هذه التقنية بتاريخ طويل لإنشائها ووصولها بالصورة الحالية منذ حوالي أكثر من 50عامًا.

لكن هناك من يعود بها إلى العقدين السادس والسابع من القرن العشرين، عندما صمم الباحث إيفان ساذرلاند (Ivan Sutherland) من معهد التقنية (MIT) "جهازا يقدم صوتاً وصورة ثلاثية الأبعاد. وكان الفارق الجوهري بين هذا الجهاز ورسومات الحاسب هو تغير الرسومات بناءً على المكان الذي يقف فيه المُستخدم، من خلال مستشعر رئيسي يقيس الموقع وزاوية الرأس. وبناءً عليه يتغير نظام الكائنات الافتراضية.

ولابد من التوقف عند النتائج التي توصلت لها أبحاث الأمريكي إيفان ساذرلاند خلال فترة عمله بمختبر "لينكولن" البالغ السرية. يُدير هذا المختبر معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا. وكما يرد في البحوث المنشورة عن هذا المختبر، وفي نطاق تقنيات الواقع المعزز، فقد انصبت الجهود على استخدام تطبيقات محددة فيها من أجل "تطوير منظومة الدفاع الجوي الأمريكية لتعقب الطائرات الروسية خلال الحرب الباردة، وحينما أصبح ساذرلاند أستاذاً للهندسة بجامعة هارفرد في العام 1968، "ابتكر بالتعاون مع طالب الدراسات العليا روبرت سبرول نموذج (Damocles Sward) أول منظومة للواقع المعزَّز مزودة بشاشة للرأس، ومن خلال مستشعرات لتتبع حركات رأس المستخدم في الفراغ، تتغير الصور البصرية التي يشاهدها المستخدم بحسب حركته بإضافة أشكال ثلاثية الأبعاد إلى الصورة العامة.. كان ذلك أول تطبيق لعالَم رقمي".

لكنه، ورغم الخطوات الواسعة التي مشتها خلال تلك الفترة، لم تكتسب تقنيات الواقع المعزز ذلك الانتشار الذي تستحقه، وباتت تحظى به اليوم، إذ كانت تستحوذ عليها، وتحتكرها الشركات الكبرى. ومن ثمَّ كانت تقتصر استخداماتها على بعض برامج التدريب المعقدة. ولذلك وجدنا دائرة تحركها مقتصرة على الأبحاث ذات العلاقة بالأمن القومي الأمريكي، وتصدياته للأخطار المُحدقة به من قبل الكتلة السوفيتية.

وقد جاءت الطفرة الحقيقية في مُنتصف التسعينات من القرن الماضي على يد رونالد أزوما (Ronald Azuma) الذي يوصف بأنَّه "الرائد المبتكر في الواقع المعزز (AR)، ويُنسب إليه عمومًا تعريف الواقع المُعزز وتوجيه تطوره المُبكر. وقد شغل مناصب قيادية بارزة في هذا المجال البحثي. ويعمل رونالد حاليًا في مُختبرات إنتل، ويقود فريقًا ويعمل كخبير تقني يوجه شركة إنتل في مجال الواقع المُعزز والتقنيات الأخرى ذات الصلة".

ومن بين مبتكرات أزوما، ذلك الجهاز الذي تطوره معه شركة تعمل في معامل بحوث (HRL)، وهو عبارة عن "جهاز تعقب مهجن يتيح للمُستخدم حرية الحركة بشكل أكبر، ويعتبر تطورا في تقنية الواقع المعزز التي كانت تجبر المستخدم على البقاء في مكان محدد، واستخدمت تقنية أزوما في عرض الإعلانات النصية الافتراضية على المباني، وهذه التقنية تُعد خطوة أولى لتقنية الواقع المُعزز التي أصبحت عالمية الاستخدام".

وكان على المستخدم العادي انتظار دخول الألفية الجديدة التي أخذت بيد هذه التقنية، وحررتها من قيود الاحتكار التي كبلتها، فشقت طريقها للتطبيق تدريجياً كي "تشمل مُختلف القطاعات، خاصة التعليمية؛ بإمكانات غير محدودة. ففي العام 2010 موّل الاتحاد الأوروبي مشروع (iTacitus.org) لتعليم تاريخ القارة عن طريق تركيز عدسة الهاتف الجوال على بعض المناطق التاريخية لتظهر للزائر الأحداث المُصاحبة لتلك المنطقة".

على نحو مواز، وفي نطاق تقنيات توليد بيئات مُحوسبة تُساعد على مُحاكاة البيئة الطبيعة هناك ما يعرف باسم الواقع التخيلي (Virtual Reality)، وهي بيئة قريبة من الواقع المُعزز، لكنها تختلف عنها في العديد من الجوانب التي توفرها كل من البيئتين، بشكل منفصل، لكنها تتكامل فيما يعرف اليوم باسم البيئة التخيلية المعززة (Augmented Virtual Reality).