محمد بن عيسى البلوشي
يَحكي لي أحد الغواصين المتمرسين في صيد الشارخة، أنه صادف متفاجئا في إحدى رحلات الصيد بوجوده وسط قطيع كبير من الحيوانات البحرية الهلامية السامة التي لا تُشَاهد بالسهولة، وتساءل: ماذا أفعل وسط هذه الأزمة الكبيرة التي يجب أن يُحسن التصرف فيها نظرا لخطورة العدو؟!
يقول الصياد: بعد لحظة سريعة جدا من التفكير، قمت برفع رأسي إلى الخارج كي أعرف اتجاه الريح وحركة سير الأمواج، فسألته مُستفِهما عن هذا الإجراء: لماذا؟ فأجابني بأنَّ هذا النوع من الحيوانات البحرية يتجه نحو دفع الأمواج لها باتجاه الشاطئ، ومعرفة اتجاه الريح، حتى أضمن أنها تسير وفق هذه المعطيات.
وأردف: لقد قُمت بالسباحة على عُمق مُعيَّن وفي نفس الاتجاه الذي تمضي عليه تلك الحيوانات، ولكن غيرت وبحذر شديد نحو العمق الذي أضمن معه أنني أصبحت خارج منطقة القطيع، وبذلك أضمن سلامتي من الأذى الذي قد يحلق بي.
شدَّتني قصة الصياد وحكمته في التعامل مع الأزمات التي قد يقع فيها الإنسان في لحظات حرجة في حياته، وهنا يُدلنا سلوكه المهني على حسن التصرُّف في مثل هذه المواقف، وعدم التعامل مع الأزمة بطريقة عشوائية بسبب الرهبة أو الخوف أو زيادة الثقة التي قد تسبِّب الأذى الجسدي والنفسي في أحيان كثيرة؛ فالحكمة في معرفة تفاصيل الأزمة تقودك للتعامل معها كي تخرج منها بأقل الخسائر لا بنظام الرابح والخاسر.
ويتفق معي البعض بأننا نواجه تحديات وأزمات متنوعة ومتعددة في حياتنا الخاصة أو الحياة العملية، ومن الجيد من الناحية الميدانية أن نجمع أكبر قدر من المعلومات عن نوع الأزمة واتجاهها وعوامل الدفع التي تقودها نحو الانتشار أو التعاضم، وبعدها نقرِّر كيف نتعامل مع تلك الحالة الاستثنائية كي نخرج بأقل خسائر منها.
لديَّ شعورٌ بأنَّ البحر يدفعنا دوما نحو معرفة الكون الفسيح ومكوناته، من خلال حركة الكائنات التي تعيش فيه ونمط معيشتها وطريق سلوكها، ونرجو الله دوما بأن يعطينا خير مواردها ويجنبنا شرورَ ما فيها من مخلوقات وكائنات.