العبور نحو المستقبل

 

خالد حسن الطويل

ومرَّ القمرُ على أطراف أصابعه ذات مساء، كي لا يُزعج النجوم حينما عادَ مُتأخرا من سهرة الغيوم.. كُنا حينها سويًّا نغلق أطراف حديثنا، ونغسل ما تبقى من آنية العَشاء قبل أن ننام.

مُقدِّمةٌ قد تكون هوليوودية إلى حد ما، لكن الأكيد أنَّ هناك من يحيا مثلها كل مساء، وينام واضعا أحلامه على رفوف الوقت علها تستفيق بنفسها، أو أن توقعها رياح الأماني العابرة في آخر المساء.

جميلٌ جدًّا أن يكون لنا حلم -بل أحلام- والأجمل أن نغزل تلك الأماني ونبدأ في نسج خيوطها حتى تكتمل؛ فبدون غرز الوخزة الأولى لن تكون هناك خارطة طريق نحو رسم لوحة الحياة وتحقيق المستقبل الذي يقرع أبواب الفكر كل يوم.

حينما يُراودنا الحلم، يجب أن نُجبره على اصطحاب الأمل معه، ويجب أن نُسجي أمامه طريق الأماني الذي لابد أن يكون محفوفاً بيرقات اليأس، أو زلات السقوط،؛ ولكن بقاء الأيدي مرفوعة يترك مجالا للأمل أن يصطحبنا من جديد نحو تخطي عقبات الوقت.

ما نَراه حولنا من نجاحات، لم يكن يومًا سوى حلم رَسَم صاحبه عتباته إلى الأعلى، ثم اصطحب معه العزيمة، ومضى يركن الإحباط ويخنق اليأس، وهو ممسك بيديه قناديل الأمل مداريا إياها عن الرياح.

وليس على سطح النجاح من لم يراوده الفشل، ولا يوجد على القمة من لم يساوره اليأس، ولم تدر بخلده أفكار التراجع؛ لكنهم كانوا يشحذون هممهم، ويعيدون تعبئة أنفسهم بأفكار التفاؤل؛ فالسقوط ليس بداية الفشل بل قد يكون الراشد إلى طريق آخر أسهل .

جميعُنا يحتاج أن يحمل على رأسه صرة آماله وتطلعاته، ويتأبط صورته في المستقبل، ويمضي نحو ما يصبو إليه، راميا بأحاديث المحبطين على قارعة الطريق، مُتيقِّنا بأنَّ للصعوبات نكهات أخرى غير المرارة، وأن معاول البناء يجب أن تبقى مشحوذة دائما، وأنَّ بريق عين الناجحين كان هو نفسه يلمع بالفشل ذات مساء.

الاتِّكاء على مساند الراحة، والاتكال على يد الغير في تصفيف شعر المستقبل، يساعدنا فقط في أن نُضل طريق الحياة، ويروينا بسراب مزيف نكتشفه بعد فوات العمر؛ ولات حين ندم.

السَّاعات والأيام هي من تَصنع السنوات، وإذا أهملنا استغلالها فسيتداعى العمر، وستنفد الفرص، ويتراجع الأمل .

إنْ كان لابد من البداية؛ فيجب أن تكون الآن وليس اليوم، وإن كان لابد من انطلاقة فلتكن في هذه اللحظة، والتخطيط سيد الموقف هو من يجب أن يمسك زمام المبادرة للذهاب باتجاه القمر.

رسم صورة ذهنية عن الطريق، وكتابة أفكار المسير نحو القمة أمر محمود؛ لكن الاكتفاء به قد يجعل العمر يمر من بين أصابعنا دون أن نشعر، وتبقى أحلامنا مركونة على رف القمر؛ لذلك يجب أن يتخلله العمل على تحقيق الهدف بالإصرار على تحقيق الغاية.

قيل: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وحقا ذلك؛ لأنَّ الوقت هو سيد الحياة، وهو العمود الذي يقف عليه سلم النجاح، والوقت هو الرَّحى التي تطحن الأيام، إن نحن جعلنا من أيامنا كالقمح المتناثر، يومٌ هناك وأمنية ملقاة في البعيد، وحلم مركون، وأمل نسينا أن نوقظه.

وختامًا.. جميع من على هذه الأرض يحمل حلمًا، وتراوده الأماني في كل حين؛ لكنَّ الفارق بين البشر هو مستوى العمل على تحقيق تلك الأحلام، واللقاء بها على الواقع.. الكل هنا بالتأكيد راودته الآمال ذات وقت؛ لكننا اختلفنا في التعامل معها، فاختلف المستقبل باختلاف الطرق.

تعليق عبر الفيس بوك