التعليم المدمج.. أحد بدائل مواجهة "كورونا"

 

 

د. حمد بن عبدالله البوسعيدي

Alward60@hotmail.com

يُمثِّل التعليمُ الإلكترونيُّ أحد البدائل الرئيسية التي لجأت إليها مُختلف الدول للحد من انتشار فيروس كورونا بين طلاب المدارس والجامعات، ويُمكِن تعريفه بأنَّه أحد أساليب التعليم التي تهدف لإيصال المعلومة للطالب بواسطة الحاسب الآلي أو الأجهزة اللوحية وشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، ويعتمدُ على البرمجيات التعليمية والأقراص المدمجة والبريد الإلكتروني والمنصات التعليمية والفصول الافتراضية... وغيرها من الوسائط التقنية، ويتمُّ بشكل مُتزامن أو غير مُتزامن.

وممَّا لا شك فيه أنَّ التعليمَ الإلكترونيَّ مهما انتشر وتطوَّر وتنوَّعت أساليبه، فإنَّه لا يُغني عن الطرق التقليدية في التعليم والتعلم، ولا عن المعلم في الفصل الدراسي. ومن هنا، كانت الحاجة لمدخل جديد يجمع بين مميزات التعليم الإلكتروني والتعليم التقليدي، ويتغلب على جوانب القصور في كل منهما؛ فظهر ما يُسمَّى بـ"التعليم المدمج"؛ ويعتبر التعليم المدمج أحد البدائل المناسبة لمواجهة انتشار جائحة كورونا؛ فقد قامت الكثير من الدول باعتماده كنظامٍ للتعليم خلال فترة انتشار الجائحة؛ الأمر الذي دعَانا لتسليط الضوء على هذا النوع من التعليم في هذا المقال؛ وذلك اعتمادا على الأدبيات التربوية.

وتقُوم فكرة التعليم المدمَج على دمج التعليم الإلكتروني بأشكاله المختلفة والتعليم التقليدي بأنماطه المتنوعة ليزيد من فاعلية الموقف التعليمي، وفرص التفاعل الاجتماعي بين عناصر العملية التعليمية، ويعدُّ التعليم المدمج تطورًا طبيعيًّا للتعليم الإلكتروني، وهو أحد المداخل الحديثة القائمة على استخدام تكنولوجيا المعلومات في تصميم مواقف تعليمية جديدة تتضمَّن إستراتيجيات التعلم النشط وإستراتيجيات التعلم المتمركز حول المتعلم؛ فهو يجمع بين مُميزات التعليم وجهًا لوجه ومميزات التعليم الإلكتروني؛ الأمر الذي يجعل منه مدخلا جيدا لصياغة البرامج التعليمية القادرة على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين.

ويمكن تعريف التعليم المدمج بأنه: أحد طرق التعليم التي تجمع بين التعليم التقليدي المعروف بأشكاله المختلفة، والتعليم الإلكتروني فهو يمزج بين أفضل الطرق التقليدية للتعليم الإجرائي وتلك المواد التي تقدم عبر وسائط جديدة كالإنترنت؛ حيث يقوم على التكامل والتفاعل بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني بكافة أشكالهما وأنواعهما المختلفة من خلال الجمع بين المحاضرات أو الحصص الدراسية والاختبارات المطبوعة والتدريبات... وغيرها من أشكال التدريس التي تتم داخل قاعات الدراسة وجها لوجه، وبين التعليم القائم على الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية؛ مثل: استخدام بيئات التعلم الافتراضية، أو إنشاء منصات تعليمية على الإنترنت تحتوي على الدروس والمحاضرات والأفلام والأنشطة والصور المتعلقة بالمادة الدراسية يُمكن أن يستخدمها الطالب بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فهو مزيجٌ بين التعليم الصَّفي والإلكتروني بهدف تحسين الأهداف التعليمية.

وتبرُز أهمية التعليم المدمج في أنه يعدُّ من أهم تطورات القرن الحادي والعشرين؛ كونه أكثر شمولا ومرونة وفاعلية من أنماط التعليم الإلكتروني الأخرى، ويُحسِّن من فاعلية التعليم؛ نظرا لأنه يوفر تناغما وانسجاما بين متطلبات المتعلم والمناهج التعليمية المقدمة له، ويتيح الوصول للمعلومات بسهولة ويُسر في أي وقت وفي أي مكان، ويسهل عملية التواصل بين أطراف العملية التعليمية، ويُشعر المعلم بدوره المهم في العملية التعليمية، ويتغلب على العزلة الاجتماعية والملل الذي قد يتسرب للطلاب نتيجة استخدامهم للتعليم الإلكتروني لفترة طويلة؛ وذلك بدمجه مع التعليم التقليدي داخل قاعات الدراسة.

ويتميَّز التعليم المدمج بأنَّه يتيح الفرصة للطلاب لاستكشاف المحتوى التعليمي، والاطلاع عليه، ودراسته في أي وقت وأي مكان، ويزيد من فرص التفاعل بين الطلاب والمعلمين، والطلاب والمحتوى التعليمي، والطلاب والمصادر الخارجية، ويؤدي لتوليد الرغبة والاندفاع نحو التعلم؛ مما يؤدي لرفع مستوى التحصيل الدراسي، واختصار الجهد والوقت والتكلفة للوصول إلى المعرفة العلمية، كما يتميَّز بوفرة الأنشطة التعليمية والبدائل، وبالمرونة لسهولة إيصاله وتطبيقه في مختلف الأماكن والبيئات وفق الإمكانات المتاحة.

ولكي يُحقِّق التعليم المدمج أهدافه التربوية المنشودة، لا بد من توافر مُتطلبات تقنية وبشرية تضمن تطبيقه بالشكل الصحيح؛ فمن أهم المتطلبات التقنية: يتطلب توافر الأجهزة والخوادم ذات السعة التخزينية الكبيرة لدى الجهة التي ستقدم هذا النوع من التعليم؛ وذلك تجنُّبا للضغط الكبير الذي سيقع عليها من المستخدمين، كما يتطلب وجود أجهزة الحاسب الآلي لدى المؤسسات التربوية والطلاب، كل ذلك مدعوما بواسطة شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، وتوافر المقررات الإلكترونية لكل مادة، مع تمكين المعلمين من خدمة التحضير الإلكتروني وتدريبهم على ذلك، وتوافر المنصات التعليمية بما تحتويه من فصول افتراضية تُتيح التفاعل المباشر وغير المباشر بين الطالب والمعلم، إلى جانب الفصول التقليدية، ووجود نظام متكامل لإدارة التعليم المدمج. أما المُتطلبات البشرية؛ فتتمثل في: وجود مصممي المحتوى التعليمي أو المناهج التي ستقدَّم للطلاب، وفريق للدعم الفني للتغلب على التحديات التي ستواجه إدارات المدارس والمعلمين والطلاب أثناء تطبيقهم للتعليم المدمج، ومعلمين مُدربين ولديهم من المهارات ما يُمكنهم من العمل وفق التعليم المدمج، وطلاب لديهم القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة كالمنصات التعليمية والبريد الإلكتروني والإنترنت.

ويَتَّخذ التعليم المدمج أنماطا متنوعة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: التعليم المدمج بنمط التناوب، وفيه يتناوب الطلاب على الدراسة بين التعليم المباشر عبر الإنترنت والتعليم غير المباشر الذي يحدث في الصفوف التقليدية؛ ليتمكن المعلم من التأكد من مدى فهم الطلاب، خاصة الذين يعانون من صعوبات في التعلم، والتعليم المدمج بالنمط المرن وهو يتيح للطالب التوجيه والتحكم الذاتي في عملية تعلمه، ويتم ذلك في بيئة إلكترونية؛ سواء كان ذلك عن بُعد أو عن طريق الوسائط المتعددة التي تحتوي على المحتوى التعليمي والأنشطة المصاحبة، ويكون دور المعلم في هذا النمط هو تقديم الدعم والإرشاد في إطار مرن يلبي احتياجات الطلاب أثناء تقدمهم في المنهج والمحتوى التعليمي، والتعليم المدمج بالنمط المكثف وفيه يتم تدريس معظم المواد للطلاب عبر الإنترنت، مع إمكانية تقديم الدعم من قبل المعلم من خلال جلسات التعليم الشخصية أو جلسات المجموعات الصغيرة حسب الحاجة.

تعليق عبر الفيس بوك