دلوني على السوق!

 

 

د.عبدالمجيد العمري

 

كثير منِّا يمر بمرحلة الثلاثين ويدخل الأربعين وهو مُشتت العزائم، لم يحقق هدفاً ولم يُتقن مهنة،  فالمفترض خلال عشر سنوات من العيش في أي مجال سواء كان أكاديميا تعليميا بحثيا أو مهنيا تطبيقيا أو عملا تجاريا صرفا أن يكون قد بنى علاقات قوية ورسم اسمه، ليس بالضرورة أن يكون عنده براءة اختراع أو ماركة مُحددة، يكفي أن يكون صادقاً وأميناً ومتقناً لعمله.

السوق أو مجال التخصص مثل النهر الذي تسبح فيه السمكة، فمعرفة الدهاليز، والتكيف مع الأمواج والفصول المُختلفة، والحماية من المخاطر قضايا كسبية، يكتسبها المُتخصص وهو لا يشعر، قد يختلف مستوى الكسب باختلاف القوى الفطرية، لكن من حيث العموم إخلاص العمل وإتقانه والأمانة فيه معيار كبير للنجاح والعيش بسلام

دائماً حين تتوفر المهنية في العمل توجد البركة، فالله يُبارك بالأعمال المحترمة والصادقة، فأحد الزملاء كتب مقالاً واحداً في مجال الفينتك، التكنولوجيا المالية، ولكنه كتبه بإخلاص واتقان أعطى البحث وقته وجهده ونقحه تنقيحاً، وقام بعرضه في أحد المؤتمرات العالمية، وبهذا البحث أصبح مُستشارا لشركتين كبيرتين، ومحكماً لأوراق علمية في هذا المجال، الأمر ليس محض صدفة ولكنه معيار الإتقان والدقة.

كان النَّاس يتسابقون في  الشراكة مع النبي صلى الله عليه وسلم لأمانته وخبرته في التجارة، ولعل قصته مع خديجة رضي الله عنها تكشف تزاوج الخبرة بالحياة والاستقرار الأسري والمالي.

يتحدث خبراء التنمية عمَّا يسمونه الذكاء العاطفي، والذكاء الاجتماعي وأهميته في بناء مُحيط عملي وتجاري، ولعلَّ قصة نبي الله موسى عليه السلام مع ابنة شعيب عليه السلام حين اقترحت على أبيها التعاون مع موسى في الرعي خير دليل على هذا، فمعرفة رجالات التخصص والتواصل معهم وبناء عنصر الثقة، يحتاج مهارة أخرى غير مهارة إتقان التخصص.

"دلوني على السوق" كلمة تاريخية قالها الصحابي الجليل عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، حين عرض عليه سعد ابن الربيع رضي الله عنه مُقاسمته للمال حين قدم المدينة، وخلال أشهر فقط تغيَّر حال عبد الرحمن، وخلال سنوات أصبح من أثرياء المدينة، والسوق بمفهومه العام عالم كبير يعتمد الخبرة والاتقان والمصداقية.

من خصائص العصر الحديث تفشي الثراء، وبلوغ القطاع الخاص ذروته، وهذه الخصوصية فتحت مجال التنافس والإبداع، وأصبحت الجودة والتميز والتطوير معايير رئيسية من فقدها سيصبح في سلة المهملات،  فالملكة المهنية لا تهب لمن لم يقبل بالتحديث والتطوير.

تعليق عبر الفيس بوك