"إيكونوميست": الاقتصادات الناشئة تلحق بركب التقدم.. وتوقعات بـ"انقلاب الموازين"

"عام الوباء" يدعم نظرية "التقارب الاقتصادي".. والصين ومصر بالصدارة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

نشرتْ مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية تقريرًا مُوسَّعا حول نظرية "التقارب الاقتصادي"، وقالت إنَّه من المفارقات أن سنة 2020 ستساعد على تحقيق هذه النظرية، مشيرة إلى أن ما يُطلق عليه الاقتصاديون "التقارب بين الاقتصادات" يحدث عادة عندما تنمو الاقتصادات الفقيرة بوتيرة أسرع من الاقتصادات الغنية؛ مما يضيق فجوة الدخل بينها.

وبحسب دراسة جديدة، فإنَّ 2020 عام مختلف بعض الشيء، فعدد قليل من الأسواق الناشئة ستحقِّق النمو، مثل: الصين ومصر وفيتنام، ولأنَّ الاقتصادات المتقدمة من المحتمل أن تسجل تراجعا متسارعًا، فإنَّ الفجوة بينهما ستضيق. وفي ظل ظروف الوباء، تبدو الحياة مثل سباق 400 متر، فالأمجاد تذهب لمن يتباطأ أقل.

وكانتْ آخر مرة شهدت فجوة نمو حاسمة بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة في العام 2013، عندما ضربت موجة بيع الأسواق الناشئة، أثارتها مخاوف من أن تبطئ أمريكا وتيرتها في التيسير النقدي. وكان ذلك بمثابة نهاية عقد من التفاؤل القوي بالأسواق الناشئة، والذي يرمز إليه بشكل أفضل الحماس لمجموعة بيركس، والتي تضم أكثر الأسواق الناشئة اكتظاظًا بالسكان: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

وأول من تحدَّث عن أن الاقتصادات "المتخلفة" يمكن أن تنمو بشكل أسرع من الاقتصادات الناضجة، اثنان من المؤرخين الاقتصاديين؛ هما: ألكسندر جيرشينكرون في الخمسينيات من القرن الماضي، وموسيس أبراموفيتز في السبعينيات. وترتكز هذه الفكرة على افتراض أن التقليد أسهل من الابتكار، وأن عوائد الاستثمار تكون عالية عندما يكون رأس المال نادرًا. وكان الدليل على النمو الأسرع ضعيفًا في فترة السبعينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، لكنه بات أقوى منذ ذلك الحين، حسبما يرى ديف باتيل من جامعة هارفارد وجوستين سانديفور من مركز التنمية العالمية وأرفيند سوبرامانيان من جامعة أشوكا.

واعتمد بنك جولدمان ساكس في وضع توقعاته لدول "بريكس"، على نسخة حذرة من الأطروحة تسمى "التقارب المشروط". ويقول إن الدول الفقيرة ستنمو أسرع من الدول الغنية، بينما تتساوى في أمور أخرى. وتلك الأمور الأخرى، بالنسبة لجولدمان ساكس، تشمل مستوى التعليم في الدولة، وانفتاحها على التجارة، ونافذية الإنترنت، و10 خصائص أخرى.

ووفقًا لستيفن دورلاوف من جامعة شيكاغو وبول جونسون من كلية فاسار وجوناثان تمبل الاقتصادي المستقل، حدد الباحثون 145 عاملاً معقولاً يجب أن يؤخذ في الحسبان، وتشمل القائمة كل العناصر من التضخم والاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدين والطقس المعتدل وحتى قراءة الصحف.

وافترضَ بنك جولدمان ساكس أن الاقتصادات الناشئة ستلحق بحدود الإنتاجية التي تمثلها أمريكا، لكن يبدو أن العديد من الاقتصادات تتلاقى ليس نحو زعيم عالمي ولكن مع جيرانها أو أقرانها. وفي الواقع، بعض أفضل الأمثلة على التقارب تأتي من داخل البلدان أو التكتلات الاقتصادية. وتميل المحافظات اليابانية الفقيرة إلى اللحاق بالمقاطعات الأكثر ثراءً، كما فعلت المقاطعات الكندية والولايات الهندية ومناطق أوروبا.

وإذا كانت قوى التقارب تعمل داخل هذه الكتل، فمن المعقول أن نتساءل عما إذا كانت هناك تجمعات أخرى من هذا القبيل؟ وهل هناك "نوادي" تقارب أخرى -غنية كانت أم فقيرة- يتجمع أعضاؤها؟

وفي كتاب جديد بعنوان "الإنتاجية العالمية.. الاتجاهات والمحركات والسياسات"، يستخدم البنك الدولي خوارزمية معينة لفرز العديد من مجموعات البلدان، بحثًا عن مجموعات يبدو أنها تتقارب مع بعضها البعض. وبناءً على أداء الإنتاجية لـ97 اقتصادًا منذ عام 2000، حدد البنك خمسة أندية. وتتألف المجموعات الثلاث "الأكثر كآبة" من البلدان الفقيرة إلى حد ما. ويحتوي الجزء الرابع على بعض الإمكانيات لدى الدول الكبيرة التي لم تتحقق، مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا.

بينما يضم النادي الأكثر نجاحًا جميع الاقتصادات المتقدمة في الوقت الحالي، إضافة إلى 16 سوقًا ناشئة، مثل الصين والهند وماليزيا وتايلند وفيتنام. وتميل الدول الأفقر إلى النمو بوتيرة أسرع من الدول الغنية، بوتيرة تقلل فجوة الإنتاجية بينهم إلى النصف كل 48 عامًا.

لكن.. ما الذي يفسر قوى الجاذبية المركزية بين البلدان الغنية والفقيرة؟

تتنوع تلك البلدان وتشمل ميانمار وكندا إلى فنلندا وتشيلي، ويتمتع العديد منها بمستويات مبهرة من الاستثمار والتجارة، وكذلك الحال بالنسبة للآخرين في الأندية التي تقع في مراتب متدنية عنها. وتُحدث المستويات الأعلى من التعليم وفعالية الحكومة فارقًا أكبر، على الأقل في بداية مراحل اللحاق بالركب.

ومعظم أعضاء النادي الأعلى يبلون بلاءً حسنًا فيما يتعلق بمقياس "التعقيد" الاقتصادي الذي طوره ريكاردو هاوسمان من جامعة هارفارد وسيزار هيدالجو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "إم.آي.تي"؛ إذ تحصل البلدان على درجات عالية إذا كانت صادراتها انتقائية وحصرية على حد سواء، وتشمل مجموعة متنوعة من المنتجات التي يصدرها عدد قليل من البلدان الأخرى. لكن هناك ثمة استثناءات، إذ تقع تشيلي في الصدارة، لكنها تبدو غير معقدة اقتصاديًا. وقد يكون ذلك لأن صادراتها (النحاس والسلمون والفاكهة) تبدو بسيطة، لكن يتم إنتاجها وتمييزها وتعبئتها بطرق معقدة. ويتم اختيار الكرز الأحمر المستدير -على سبيل المثال- بعناية للتصدير إلى الصين كرمز للرفاهية.

لكن يساور مؤلفي كتاب البنك الدولي القلق من أن جائحة "كوفيد 19" من شأنها أن تثبط الاستثمار، وتُقصّر سلاسل التوريد وتولّد العُزلة، وكل ذلك يمكن أن يعيق "التقارب الاقتصادي". لكنهم لاحظوا أيضًا بعض الجوانب الإيجابية المحتملة؛ فالأزمات -على سبيل المثال- يمكن أن تشجع الإصلاحات الهيكلية، ويمكن أن يؤدي افتقار صيانة رأس المال القديم خلال الأوقات المظلمة، إلى تسريع استبداله بأحدث التقنيات عند تحقيق التعافي.

لقد أدرك رواد نظرية التقارب أن أي بلد لا يمكن أن يستغل التطورات الصناعية بصورة كاملة إذا تمسّك بالأنماط التقليدية للإنتاج والاستهلاك، أي ما أطلق عليه عالم الاجتماع ثورستين فيبلين "مخطط الاستخدام المتعارف عليه". ولهذا السبب يعتقد أبراموفيتز أن الحروب والاضطرابات السياسية يمكن أن تكون بمثابة "تجربة لتطهير الأرض وفتح الطريق أمام رجال جدد ومنظمات جديدة وأنماط عمل جديدة". والمتفائلون -الذين يدَّعون أن هذا التقارب سوف يستمر إلى ما بعد هذا العام المتشنج- يجب أن يأملوا في أن يكون مخطط الاستخدام المتعارف عليه واحدًا من العديد من ضحايا الوباء.

تعليق عبر الفيس بوك