حمد بن سالم العلوي
لقد أوفى جلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بما وعد؛ فقد كان حُلماً إخراج حكومة جديدة، وكل أعضائها وُلدوا من رحم النَّهضة العُمانية الكبرى، حكومة أسماها البعض بالحكومة الرشيقة، ويُسمِّيها آخرون حكومة الحداثة والابتكار والقرار، والتي أصبح لديها وفي يدها زمام أمورها لذاتها، وبمعنى أوضح أنها خرجت من تلك الشرنقة المتداخلة، واللا مُتناهية من التشعبات الجدلية؛ فإذا دخلت في نفق من أنفاقها الكثيرة؛ فلا تعرف كيف ترجع إلى نقطة البداية، ولا أنت تحلم بالوصول إلى نقطة النهاية، حتى إنَّ هناك وحدات يُجزم البعض بأنَّه لم يسمع بها إلَّا يوم 18 أغسطس 2020م مع مرسوم إلغائها. إذن؛ أصبحت الأهداف الكبرى واضحة جلية للجميع، ألا وهو الرُّقي بعُمان، وأخذها إلى مقامها الرفيع الذي يليق بها. أما الأهداف الصغرى، فأنتم -يا أصحاب المعالي والسعادة- من سيرسمها وينجزها؛ فكلُّ واحد منكم ينجز مربع وزارته، أو مؤسسته التي يتولى إدارتها، لنخرج معاً لوحة كبرى تمثل نهضة عُمان المجد والصولجان.
لقد كُنا في الماضي القريب نسأل الوزير الفلاني: لماذا لا تتخذ قرارك في الأمر كذا؟! فيقول: والله أنا أنتظر الوزير الفلاني ينجز القرار من عنده أولاً؛ حتى أُبني عليه أنا قراري، وضاعت مصالح الدولة والناس، مع ذلك التشابك العجيب والغريب، ولكن أصبح الأمر اليوم مختلفاً عمَّا مضى؛ حيث أصبح القرار في أيديكم، كل من موقعه واختصاصه المبيَّن والمحدد له.
إذن؛ هذه الحكومة التي أُنضجت على نار هادئة كما يقال، خرجت إلى حيز الوجود في اليوم الثامن عشر من أغسطس الجاري، وعمَّت الفرحة عُمان من أقصاها إلى أقصاها، وتمَّ الإتيان بوزراء من خارج الصندوق، وربما قد تفاجأوا هم أنفسهم بهذا الاختيار، الذي باركه الشعب العُماني، ويجزم بعض المحللين بأن وراء هذا الاختيار إنجازا سابقا، بمعنى أنَّ كل شخص تم توزيره أو توكيله، هناك قصة نجاح له في مكان ما، قد شفعت له ليكون عضواً في هذه الحكومة الواعدة، وليست توصية من فلان أو علان، ولا هي ضربة حظ، أو اختيارا بسحب القرعة.
إنَّ العشم الكبير في الحكومة الجديدة أن تجد مرونة في اتخاذ القرارات الصائبة والرشيدة، بعدما فُضَّ الاشتباك بين الاختصاصات، وأتذكر ذات يوم سَأل أحد الأشخاص المقدم نايف بن عبيد السلامي (تقاعد لواء) وكان وقتها آمراً للأكاديمية: لماذا لا يكون للشرطة (شرطة انضباط) كالشرطة العسكرية في الجيش، فقال؛ وباختصار: إذن؛ سنحتاج إلى شرطة أخرى تفصل بين الجانبين.. وهكذا دواليك، إذن وقد أوضحت الأهداف المرجوة هذه الحكومة الرشيقة، فعلى "معالي الوزير" أن يحصر دوره في الإشراف والمتابعة والتوجيه والمحاسبة بالجزاء والعقوبة أو المكافأة، ورسم السياسات العامة والخطط والمراقبة، وتحديد معايير الجودة في العمل، وحجم الإنتاج التراكمي في مؤسسته. وعليه أن يفوِّض الأعمال الإدارية والتنفيذية لمن يليه في التدرج الهرمي الوظيفي، وأنْ لا يربط كل صغيرة وكبيرة بمكتبه، أو به شخصيًّا، إلا ما استعصى حله واستلزم أمر الفصل فيه قرارَ مسؤولٍ؛ لأنَّ العمل المؤسسي عمل تضامني جماعي، والنجاح يعني الجميع، أما الفشل فيعنيه هو ذاته، إن قصَّر في الإشراف والمتابعة بعد التفويض.
ونحن لا نقول لكم من أنتم ومن تكونون؟! كما قال البعض، وإنما نقول على المسؤول أن لا يعطي كثيرَ همه للبشت والخنجر ولوازم "البرستيج" وبروتوكولات المسؤول العربي بصفة عامة، فلا ترتدي هذه الأشياء إلا في ضرورات المراسم الرسمية، وحتى أسمائكم عليكم أن تكتفوا بالاسم الثلاثي منها دون ذكر للقبيلة، وذلك حتى لا يأتي جاهلٌ لينتخي بكم، وهذا حصل في الماضي يوم صارت القبيلة "ماركة مسجلة" حتى إني كتبت مقالًا عام 2011م طلبت من وزارة الداخلية أن تفتح الباب لتصحيح المسمى القبلي لمن يرغب في أن يعود إلى قبيلته الحقيقية، وليس ذلك وحسب، لكنكم أصبحتم تعملون تحت وسم التكليف "موظف عام" لخدمة عُمان، ولا يُقصد من ذلك خدمة الأرض والجغرافيا، وإنما خدمة الوطن والإنسان، ولكن احتفظ بالقبيلة في جواز السفر والبطاقة المدنية، لتُعرِّف بها نفسك عندما تغادر الوظيفة العامة، وليكن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم قُدوتكم الحسنة، وليس فقط في التعريف بشخصه الكريم، وإنما في الإخلاص والتفاني في خدمة عُمان.
ولقد علمت أن معظم الوزراء الحاليين إن لم يكن كلهم، لهم صفحة على "تويتر"، فهذا أمر جيد، وكذلك من تعود أن يجلس على المقاهي العامة فليجلس كما كان يجلس، لكن عليه أن يعلم ولا ينسى أنه في مقهى وليس في المكتب الرسمي، ولا أن يقطع شيئًا اعتاد عليه، وعندما تدخل الوزارة أو المؤسسة لأول مرة وجِّه بإزالة الحواجز والخنادق والمراصد من على مداخل المؤسسة، وأوجد وسيلة للإبقاء على النظام وهيبة المكان، فمن هنا تثبت قوة شخصيتك، عندما تصبح تؤثر ولا تتأثر، وليس القصد أن تكون كالحجر الصلد الأصم، وإنما اسمع وانظر بعينيك وقيِّم الأمور بعقلك، ولكن القرار يُؤخذ بالعقل، وبناء على المعلومات والحقائق، وليس بالعواطف والانفعالات، وهنا سيتأكد لنا كمواطنين حقيقة التغيِّر والحداثة، والحكمة والحوكمة في اتخاذ القرارات، ولن تنتهي البيروقراطية الإدارية إلا بتفعيل الحكومة الإلكترونية.
فإنْ عملتُم بما رُسِم لكم من خطوط عريضة، وبما مُنح لكم من تفويض، ونظرتم إلى الأهداف البعيدة قبل الأهداف القريبة، فإنَّ عُمان ستحقق طموحها، وسوف نستغني عن الاتكاء على النفط والغاز، وإن كنا لا نستغني عن خدماتهما في القريب العاجل، ولن يظل هناك عُماني واحد بلا رزق يستر به حاله، والعُماني يمنعه دينه وتربيته من أنْ يسعى للغنى بغير الحلال، وأن ينظر إلى ما يكفيه من الستر له ولأهله وإكرام ضيفه، فهو يرى كيف أنَّ فايض المال قد أفسد أممًا كانت بالأمس فقيرة، وقد أخرجها الغِنى من ملة الإسلام، حتى ولو لم يشعروا، أو يعلنوا ذلك، وستعود المقولة التي تقول: "ومن ضاق عليه الرزق فعليه بعُمان".
... إنَّ عُمان اليوم في ظل سلطان حكيم وقد مكَّنه الله من رتق ثقوب الخزانة العامة للدولة، وبصحبة حكومة حديثة رشيقة، وبشخوص وزرائها الشباب، لا عذر.. لا عذر عن التقدُّم والعمل الجاد والعطاء اللا محدود.
حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها الفذ الكريم، وسنظل نردِّد ونكرر أبشري يا عُمان الخير، فالخير قادم، وارتقي هام السماء، فلتدُومي يا عُمان عُمراً في الخير سرمدًا، وارتقي المجد على سواعد الرجال، وانعمي بحكم السلاطين العظام، واهنئي بحكم السلطان هيثم سلطاناً إماماً سيِّداً.