طاقة الحب

 

فاطمة الحارثية

 

رسمت حياتنا مذ كنَّا صغاراً معالم الحب فطرة وسجية، خاطبنا أمهاتنا بأعين تفيض حباً ليُدركن حاجاتنا البسيطة الأساسية منذ المهد، كانت لأعيننا لغة تحاكي الصوت، ولبكائنا حديث واضح، ولأجسادنا حوار لا ينتهي، تعلمنا التواصل والحوار والتعبير منذ المهد عبر الحب قبل أن يشتد عود ألسنتنا وقبل أن ندرك أنَّ للغة حروف أبجدية، مَثّل الحب لغتنا الأولى ومُجمل تعابيرنا وضحكاتنا، في حضور ورمزية واضحة تُجسد براءته، وبكل تأكيد بيان لهويته كفطرة جُبل عليها خلق الله.

أحببنا كل شيء بدأت أناملنا الصغيرة بلمسه وألسنتنا الرطبة بتذوقه، تعلقنا ببراءة وبشدة بالكثير، ونحن لم نتعلم بعد شيئاً عن تعريف الحب والشوق والتعلق والغيرة والملكية و.. و؛ لم يكن علينا أن نضبط مشاعرنا أو نتحكم بسلوكياتنا في التعبير بما نرغبه أو نشتهي، كانت طاقة الحب تخالج الحرية المطلقة، ولم يكن ثمة ضير في كل فعل أو رد فعل أبدًا، أحببنا الحب قبل أن يُعلمنا أحد عنه، بحث عنه الأولون وسيبحث عنه الآخرون؛ داعب طفولتنا بجمال مطلق، واستهدفه المراهقون، حارب له وفيه الناضجون، وتمسك به الكبار، أي بقي حاضرا في كل يوم من أيام حياتنا، بعلمنا أو في غياهب انشغالنا بأمور أخرى عنه، متجسدا في دوافعنا لنبلغ غايتنا ونرسم المزيد من الطموح نحو القمم والتحقق.

كتب عنه من كتب، أفسده من انحرف، قتله المجرمون، واقترفت باسمه الحروب قبل السعادة، باسم الحب تدور الأرض ويدور حوله من عليها، خلق الله أجمعه أقر به منهجا ومنهاجا. حكم الحب العالم وتحكم به، أنشأ القيود والسلام والحرية والموت، وباسم الحب أصبح الخير خيرا وبه أصبح الشر شرا، وبه أيضًا تحول الخير شرا وخرج من الشر خيرا. نتحدث عن الاقتصاد وعن المناخ وعن الصحة وعن الحكومات والفلسفة والدين وكل ما ابتدعناه وفي حقيقة الأمر جميع تلك الأمور تدور في فلك وطاقة الحب.

 

"حب الوطن شيء جميل، لكن لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود؟" أندرو كارنجي، وإن أسأل نفس السؤال "لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود؟ لماذا وكيف يُمكن أن يكون للحب حدود؟ وهبنا الله العواطف والمشاعر المختلفة لندرك بعضها ونتفاعل مع بعضها الآخر، لنقرر أولوياتنا فيها وكيف تقودنا وسبل ممارستها في حياتنا، هناك من طغى وكفر باسمها وهناك من سكن وسعد من خلالها، فوضعها كهدف هو سلاح ذو حدين، وإدراك أنَّ المشاعر المختلفة أدوات لتمكين الحياة وجعل المعيشة سلسة أمر مسلم به.

يأتيك مُتيم قد أضناه الحال، يُشعر ما استطاع وقد يأتي بحديث قلب بلا قافية ولا وزن، وآخر قد ألهى يومه في سلوى وكأنَّ الحياة مع أو بعيدا عن المحب ألم ودموع ومآسٍ، فأيها الموجوع حبا أين الجمال والسعادة في حرقة قلبك وقلق وتوتر حياتك؟ وقد قيل إنَّ الحب جماله في السكينة التي يبعثها في النفس، أم أنَّ حبك غرائز وكتلة من الهرمونات غير السوية.

طاقة الحب هي من تحدد الجوانب المختلفة في التعامل مع الآخر وتحرك ردود فعل الذات والنفس قبلها، نعم فالحب ينبع من النفس قبل أن يتفاعل مع الغير، وهذا يخلق أنواعاً مختلفة من الإدراك وبالتالي التنوع والتجديد في المعاملة والقدرة على اتخاذ القرارات وكيفية التفاعل مع ما حولنا. لا أتفق مع من وضع للحب تعريفاً أو أيقونات أو حتى رموز لأنَّه من العمق والبساطة ما يغنيه عن كل التراجم والانغلاق تحت آيدولوجيات محددة. 

 

جسر...

ظلمت الغرائز الحب، وانتهك الحزن سلامه، واغتالت الشهوات براءته وجماله، فهل من حُب حقيقي؟ وعشق سرمدي ينعم به من يعلم حقيقة الأمور؟.

 

الحب ليس روايةً شرقيةً

بختامها يتزوج الأبطالُ

لكنه الإبحار دون سفينةٍ

نزار قباني