يوسف بن علوي.. العميد الذي ترجل عن صهوة الدبلوماسية

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

حين أتحدث عن قامة دبلوماسية وشخصية سياسية كمعالي يوسف بن علوي فلابد لي من التعريج قليلًا على التاريخ الشخصي له والظروف الموضوعية التي صاغت وشكلت وعيه وإطارًا لفكره وفلسفته في الحياة كشخص قبل أن يكون مسؤولاً.

فحين أتحدث عن أبي محمد يتداخل معي الإنسان والمسؤول معًا، وقد كان لي الشرف في القرب من يوسف بن علوي الإنسان والمسؤول بحكم عملي بوزارة الخارجية (1984- 1994). واليوم أكتب هذا المقال بُعيد ساعات من المرسوم السلطاني الذي ترجل بمقتضاه معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي عن صهوة الدبلوماسية العُمانية وعمادة الدبلوماسية العربية والدولية بعد أكثر من أربعة عقود من الرحيل والترحال والتجوال في دهاليز السياسة والدبلوماسية، وحتى لا يقول قائل بأنني أتغزل أو أتزلف أو أتملق لغرض أو منفعة من أي شكل أو نوع بل للحقيقة المُجردة.

قبل الخوض في الصفات المُكتسبة ليوسف بن علوي عليَّ الخوض في الصفات الشخصية الموهوبة والتي عرفتها فيه وأحببتها، كالقدرة الهائلة على الهدوء والإنصات ودماثة الخُلق وروح الفكاهة والتبسط وتشابهه إلى حد التطابق مع ظفار مسقط رأسه ومنشأه الأول.

لم يكن يوسف بن علوي ظفاريًا مُوغلًا في ظفاريته كالشخصية الظفارية التي عرفت العزلة التاريخية وعانت من الاعتزال إلى حد النرجسية، بل كان خليطًا من ظفار في الأصل وثقافات أخرى مُتجانسة مكتسبة بحكم الغربة القسرية ثمَّ النضال من أجل الوطن ثم الوفاء للدولة حين حضرت في 23 يوليو 1970م. عاش يوسف بن علوي جميع مراحل وأطوار "عُمان قابوس" ومراحلها المفصلية الحادة والناعمة تلك التجربة الثرية التي أخرجت منه دبلوماسيًا يشبه عُمان في صلابة جبالها وانبساط سهولها ونقاء رمالها ومغامرات بحارها وجود أرضها. استلهم بن علوي بحكم تراكم التجربة وصروف الدبلوماسية من عبقرية جغرافية عُمان الكثير من الأوراق السياسية التي شكلت ثوابت للدبلوماسية العُمانية وسمات لازبة لها، فعُمان الأرض التي تلوح منها خيوط الفجر الصادق لتجود شمسها بضيائها على الوطن العربي الكبير بعد أن تغتسل في مياه بحر عُمان وبحر العرب لتسكب الصحو والطُهر في عيون الوطن الكبير وأطرافه المُترامية. لهذا كانت الدبلوماسية العُمانية وضاءة شفافة ورقراقة كمياه بحر عُمان وبحر العرب ووضاءة كجود شمس العرب التي تُشرق حصرًا من عُمان. كما استلهم بن علوي من تاريخ عُمان الاستقلالية والتفرد والصدق والأصالة المغموسة في الانفتاح على الآخر.

يُمكنني الجزم بأنَّ يوسف بن علوي مُصاب بإدمان الدبلوماسية وبشكل لافت، وكنت شخصيًا أعجب من قدرته الهائلة على التنقل في رحلات مكوكية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في غضون ساعات أو أيام محدودة متحديًا اختلاف مواقيت وتعدد مناخات في قدرة ربانية هائلة تثير الشفقة والإعجاب معًا، وفوق كل هذا العناء كنَّا نجده أول الموظفين في مكتبه رغم عودته من مهام في ساعات الفجر!

كثيرون لا يعرفون حجم الزُهد في شخصية يوسف بن علوي، زُهد عائلي موروث وشخصيٌ مكتسب، لا يعرف اليأس ولا القنوط والإحباط على الفقد أياً كان حجمه ومصدره فيما يشبه اليقين وأعراض النفس المُطمئنة التي صقلتها النشأة الأولى والقراءات العميقة في دفاتر الأيام. قليلون هم من اختلفوا مع يوسف بن علوي المسؤول والإنسان معًا، فأنت مُجبر أن تحب أحدهما إن لم يكن كليهما. وقليلون جدًا من يعرفون حجم المُعاناة حين تكون دبلوماسيًا وسياسيًا معًا ومطلوب منك في مواقف كثيرة أن تجمع البيض والحجر في سلة واحدة دون أن تفقد بيضة واحدة!!

وقليل من يعلم بحجم المُعاناة للدبلوماسي المسؤول حين يتطلب منك الموقف أن تبتسم وأنت مهشم في داخلك وأن تُصافح وتُقبل من تكره وأن تُجالس لساعات من لا تُطيق رؤيته!! يوسف بن علوي لم يدخل تاريخ عُمان الحديثة لكي يخرج منه بل لكي يبقى كشخص وتجربة وسيرة.

قبل اللقاء.. حين أختار كلمة "صهوة" في وصف الدبلوماسية في مقالي هذا بدلًا من أي كلمة أخرى فأنا أعلم بأنَّ الدبلوماسية كالحصان الجموح الذي لا يُمكن ترويضه ولكن يُمكن للفارس الحقيقي السيطرة عليه وتطويعه في مواقف بعينها ولمآرب بعينها كذلك.

وبالشكر تدوم النعم..